إياد الصالحي
برغم قِدم العلاقات الكروية بين منتخبنا الوطني وشقيقه القطري التي تعود الى دورة الخليج الرابعة في العاصمة الدوحة نيسان عام 1976، وسطوة الكرة العراقية في أغلب المناسبات العربية والقارية، إلا أن حساسية التباري مع الأشقاء لم تزد عن حدّها بشكل سلبي إلا مرّة واحدة أملتها ظروف نقل مباراتهما الى مدينة كلكتا الهندية في تصفيات مونديال 86 سرعان ما رَمَيا بقايا الزعل على ضفاف الخليج خلال دورة الكأس الثامنة بالمنامة التي سبقت نهائيات المونديال المذكور بثلاثة أشهر، وخرجا للجماهير متعانقين وأبت مباراتهما ألا تكدّر الخاطر فتعادلا بهدفي حبيب جعفر وعادل خميس.
استذكار متانة العلاقة أمر ضروري في مناسبة قارية أخذت بعض وسائل الإعلام من برامج وصحف ترفع وتيرة الإثارة محاولة منها لإرباك العامل النفسي للاعبين وتصوير مباراة الدور 16 أنها فرصة لثأر الأسود من آخر نتيجة حققها العنابي بفوزه (3-2) في آذار 2018 خلال افتتاح بطولة الصداقة الدولية في ملعب مدينة البصرة، وكان لـ "المعز علي" هداف بطولة آسيا الحالية بصمة مميزة يومها بتسجيله الهدف الثالث.
بطبيعة وقائع التنافس مع العرب والأجانب عبر التاريخ، لم يوظّف العراقي الثأر لمواجهة المتنافسين بروحية عدائية، وإنما كان يمتلك "الدافعية" التي تحرّك التحدّي وتحوّل اليأس الى نجاح باهر يُرضي طموحه ومن وضع ثقته به، لهذا سيرى مراقبو كأس آسيا ملحمة كروية رائعة على ملعب آل نهيان يؤكد فيها الأسود أنهم الأجدر بمواصلة المشوار نحو الدور ربع النهائي بعد أن اكتمل الضلع الرابع من تأمين كاتانيتش السلامة للعب الأسود في المحور بوجود صفاء هادي وأمجد عطوان اللذين كانا فدائيينِ بحق خاصة في الشقّ الدفاعي من خطّة هجومنا المحترز، وقبل ذلك كان قد أتمّ أضلاع (الاستقرار في التشكيل وزيادة الثقة بمهاجمين بديلين وتمترس خط دفاعي بانسجام قوي مع الحارس).
ومع أنّ مدرب المنتخب القطري الإسباني سانشيز قدّم نفسه أحد كبار المنطقة الفنية في آسيا 17 بدور المجموعات، لكنه لم يغلق بعض الصفحات في دفتر تكتيك العنابي، وبدتْ مكشوفة ومحفوظة في كل مباراة، بل وتعاني مشاكل عدة في الشوط الأول حيث تأخر التسجيل أمام لبنان وحُسم بهدفي الدقيقتين (65و79) ثم مع السعودية ( 45+1 و80) .أما مع كوريا الشمالية فلم يكن الأخير بمستوى البطولة ، ولهذا تقبّل ست كرات قطرية تناصفت بين الشوطين، وإذ نشير الى توقيت التسجيل ومعاناة العنابي في الحسم فإنّ ذلك لا يعني أنه عاجز عن الحلول، بل كلما واجهه منتخب بنديّة كبيرة زاد متاعب الخماسي الخطير (عبدالكريم حسن وبسام الراوي وبوعلام خوخي وحسن الهيدوس والمعز علي) كل واحد منهم يمثل شريان حياة الفرص القطرية في جزاء المنافس، وأي قطع (1×1) أو ضغط ثنائي سيُنهي فاعليتهم، وعندها لا قيمة للروشتة الإسبانية.
يدرك كاتانيتش أن مفترق الطريق الذي يبحث عنه لإحداث انتقالة استثنائية في مهمته مع الأسود يكمن هنا في الدور 16، ولا مجال للتردّد في زجّ تشكيلة مكتملة الجاهزية النفسية قبل الفنية، تلبي قناعته الشخصية بعيداً عن اعتراضات النقاد والجمهور، فلديه أحمد إبراهيم القائد الموجّه بخبرته لتعزيز تنظيم خط الدفاع ولا يحتاج سوى الانتباه لكسر مصيدة التسلل التي يجيدها الثنائي أكرم عفيف والمعز علي، وضرورة منح علي عدنان الثقة المطلقة في جهته لمساندة الحملات الهجومية، فضلاً عن ادّخار جهد أحمد ياسين للشوط الثاني كمحفّز له على تقديم العطاء المطلوب ، إذ غالباً ما يظهر خاملاً في الشوط الأول ويقتل الوقت في مغامرات خجولة، أما الهدّاف مهند علي، المتوقع أن يُبهرنا بفنّه إذا ما خفّ ضغط الإعلام عليه، فإنه يحتاج الى مساندة لاعبين قريبين منه ولا يُترك وحيداً في المقدمة لا سيما أن القطريين سيراقبونه كظلّه لتضييق حريته في الصندوق.
أملنا بدأ يتعاظم، ونحن نرى خمسة عشر منتخباً ليس صعباً قهرهم وعرقلة طموحاتهم إذا ما اصطدمنا بهم، فالبطولة فاجأت الجميع بثغرات فنية واضحة في أسلوب لعب الكبار بمن فيهم منتخبا كوريا الجنوبية واليابان اللذان حصدا النقاط التسع الى جانب قطر، لكن يبقى سرّ الثبات في الإمارات حتى الدور الأخير هو أنك تؤمن بقدراتك على الوصول الى الكأس ولا تشغل فكرك بالتطلّع إلى مظهر المنافس أكثر من حرصك على إظهار شخصيتك كبطل مؤجّل تتويجه الى أمسية أول جمعة مباركة من شباط المقبل.