ترجمة حامد أحمد
يونس إدريس 50 عاماً ، سائق سيارة أجرة في الموصل ، يركن سيارته قرب أنقاض بناية محطمة بانتظار راكب يستأجره ، بعد أن جاء شخص يطلب إيصاله الى مكان يقصده أجابه السائق مباشرة " ارفع صوتك .. لا أسمع ." آلاف من عراقيين آخرين أمثال سائق الأجرة ، إدريس ، فقدوا سمعهم أو عانوا اضطرابات مرضية في آذانهم بسبب الحرب وصوت الانفجارات والقنابل والقصف الجوي وذلك للفترة ما بين 2014 و 2017 التي شهدتها الموصل ، معقل تنظيم داعش السابق .
استناداً للطبيب ، سيف سعد الدين ، الذي أدار عيادة طوارئ مؤقتة للأسعافات أثناء عمليات تحرير الموصل فان قسماً من هؤلاء الذين يعانون اضطرابات سمعية سيتماثلون للتعافي بقدر معين في سمعهم أما الآخرون فلا مجال لشفائهم لأن الخلايا العصبية للسمع لديهم قد تمزقت في آذانهم بسبب أصوات الانفجارات القريبة منهم .
وأضاف الطبيب ، سعد الدين ، بقوله " رأيت كثيراً من الناس المرضى بحيث لا أستطيع إحصائهم وهم ينزفون من آذانهم بعد سقوط قذائف على بيوتهم وتعرضهم لقصف جوي . لم تتوفر لدينا أدوية علاجية لهم سوى القطن نضعه في إذنهم ."
طبيب آخر ، رفض الكشف عن اسمه ، قال إن الصوت الذي تتجاوز درجته 90 ، ديسبيل ، فما فوق وهي وحدة قياس درجات الصوت تكون مؤثرة على الأعصاب السمعية للإذن ، مشيراً الى أن صوت القنابل و القصف تفوق هذا الدرجة بكثير وهي ما تسببت بانتشار حالات فقدان السمع لاهالي الموصل الذين عايشوا الحرب .
واستناداً الى مرصد ، أيروورس Airwars ، الدولي المتابع للغارات الجوية فان التحالف الدولي نفذ ما يقارب من 14 ألف غارة جوية في كل من العراق وسوريا وذلك منذ العام 2014 ، ولكن التأثيرات الصحية طويلة الأجل لهذه الغارات على السكان المدنيين غالباً ما تكون غير معروفة .
عبد الوهاب صالح 57 عاماً ، أحد أهالي سكان الموصل ، يقول لموقع ، فايس Vice ، الإخباري الاميركي إنه يعاني من فقدان السمع وضعفه لديه بسبب الحرب وتعرض بيته للقصف حيث فقد 60 % من قوة سمعه .
ومضى ، صالح ، قائلاً " طائرات التحالق قصفت بيتي وفقدت اثنين من أفراد عائلتي . الأطباء قالوا لي بان العصب السمعي تمزق جزئياً لدي وإني فقدت 60 % من قدرة السمع ."
وقال الطبيب الذي رفض الكشف عن اسمه بان الحرب لا تعرف فقيراً أو غنياً الكل معرض للأذى مشيراً الى أن 10% من مرضاه يعانون فقدان السمع بسبب الحرب . وإنه ليس هناك احصائية دقيقة بعدد هذه الحالات .
وأردف الطبيب قائلاً " نحن ليس دقيقين باحصاءاتنا في العراق . هناك الكثير من الحالات من هذا النوع لانعرف بها ، كثير من المرضى ليس لديهم ما يكفي من أموال لمراجعة طبيب أو الذهاب الى مستشفى أهلي . والسلطات الطبية لا تقدم حلولاً بديلة لهؤلاء الضحايا ."
يقول صالح الذي فقد 60 % من سمعه " طرقت كل الأبواب لكي أحصل على تعويض مالي من الحكومة حيث راجعت منظمات انسانية وسلطات محلية وكذلك في بغداد ، ولكنني لم أحصل على شيء واعتبر بمثابة معوق حرب ."
جمال ناصر ، طبيب اختصاص بالمشاكل السمعية في الموصل ، يقول إنه خلال الأسابيع التي اعقبت هزيمة داعش في تموز عام 2017 كان مستشفى الموصل العام يستقبل 20 مريضاً يومياً كمعدل من الذين يعانون مشاكل في السمع بسبب الحرب ، مشيراً الى أن قسم جراحة الأنف والأذن والحنجرة في المستشفى ما يزال مكتظاً بالمراجعين من هؤلاء حيث شهدت المستشفى آلاف من هذه الحالات بين أهالي الموصل .
صباح شهاب أحمد 50 عاماً ، يقول إنه كان يعيش قرب معمل نسيج وإنه في آذار عام 2017 سقطت أكثر من عشرة قنابل على المعمل تسبب العصف بتمزيق طبلة الأذن . أنفق أحمد 25 ألف دينار أجور فحص اختبار سمعي لاذنه ، وهذا ما يعادل أجور عمل يومين بالنسبة له وليس له مال كافٍ يشتري به دواء .
يقول أحمد " الحرب قتلتني .. لقد فقدت سمعي ."
يقول الطبيب ناصر إن مثل هذه الحالات يعاني المصابون من اضطراب في أداء الطبلة السمعية للأذن والتي يمكن أن تشفى بمرور الزمن أما الاصابات الأكثر تضرراً هي التي تضر بالعصب السمعي للشخص . ويشير الطبيب بقوله " العصب السمعي لا يمكن إصلاحه حالما يصاب ويتضرر فانه يبقى الى النهاية بدون علاج ، ويمكن تزويد المريض بسماعة أذن تساعده نوعاً ما على السمع ولكن لسوء الحظ المستشفى لايمكنها توفير هذه السماعات لعدم وجود ميزانية ."
الطفل ، عقيل قيس 13 عاماً ، لايعرف فيما إذا تمزق عنده العصب السمعي إم لا ، عائلته فقيرة جداً لا يمكنها تسديد مصاريف العلاج . قيس فقد نسبة كبيرة من قدرات سمعه وذلك عندما تعرض بيتهم في ضواحي الموصل في أيار 2017 لقصف جوي . ويقول قيس " شعرت بألم كبير في أذني ولكني كنت محظوظاً لبقائي على قيد الحياة ."
يقول الطبيب الاختصاص في مستشفى الموصل " الاطفال عندما يفقدون سمعهم فإنهم يواجهون صعوبات نفسية وعزلة اجتماعية ، فانهم لم يعودوا قادرين على التواصل مع زملائهم في المدرسة ويتعرضون لإحراجات وتعليقات هذا التأثير والضرر سيلازمهم طوال حياتهم." يقول قيس وهو يقف بجوار والدته " أنا غير مرتاح ، الأطفال الآخرون يسخرون مني بسبب عوقي وينادوني بلقب الولد الذي ليس له آذان." ولغرض مساعدته اشترى له عمه سماعة اذن بسعر 35 دولاراً وهي ليست ذات نوعية جيدة وتسبب صوت وشوشة في اذنه اضطر قيس للتخلي عنها ، ويقول الطبيب المختص إن أقل سعر لسماعة أذن يمكن الاعتماد عليها هو 115 دولاراً .وهو ما لاتسطيع عائلة قيس الفقيرة توفيره .
عن موقع Vice الإخباري الاميركي