شاكر لعيبي
للوهلة الأولى يظنّ المرء أن المعارف جمع للمعرفة، المفردة المألوفة الدلالة، حتى يطالع عبارة لسان العرب "امرأَة حَسَنةُ المعارِف" بالدلالة الممنوحة لها، فيلتبس الأمر عليه غالباً.
والعارف والعرّاف من المعرفة بالطبع، والعِرفان هو العلم، عرفه يعرفه عرفة وعرفاناً ومعرفة واعترفه، ورجل عروف وعروفة: عارف يعرف [يتعرف على] الأمور ولا ينكر أحداً رآه مرة، والعريف والعارف بمعنى واحد، مثل عليم وعالم.
لكن المعرفة القديمة لا تقوم فقط على العلم التجريبيّ، وإنما الحدس والبصيرة والفراسة، وللمعرفة والمعارف تسميات عدة في لسان العرب. يقال للحازِي [الكاهن] مثلاً عَرَّافٌ. والتَّحَزِّي هو التَّكَهُّنُ. حَزَى حَزْياً وتَحَزَّى تكَهَّنَ؛ والحازِي هو الذي ينظر في الأَعضاء وفي خِيلانِ الوجْهِ يتَكَهَّنُ. والحازِي أَقَلُّ علماً من الطارق، والطارقُ يكاد أَنْ يكون كاهِناً، والحازِي يقول بظَنٍّ وخَوْف، أما العائِفُ فهو العالم بالأُمور، ولا يُسْتَعافُ إِلا مَنْ عَلِمَ وجَرَّبَ وعرَفَ، والعَرّافُ الذي يَشُمُّ الأَرض فيعرف مَواقِعَ المياه ويعْرِفُ بأَيِّ بلد هو ويقول دَواءُ الذي بفلان كذا وكذا، ورجل عَرّافٌ وعائِفٌ وعنده عِرَافة وعِيافَةٌ بالأُمور. والعرّافُ هو الكاهن؛ قال عُرْوة بن حِزام (فقلت لعَرّافِ اليَمامة - داوِني، فإنَّكَ، إن أَبرأْتَني، لَطبِيبُ).
ويقال للقُناقِن عَرَّاف، والقِنْقِنُ والقُناقِنُ، بالضم، هو البصير بالماء تحت الأَرض، وهو الدليل الهادي والبَصيرُ بالماء في حَفْرِ القُنِيِّ، والجمع القَناقِنُ، وهو البصير بجرّ المياه واستخراجها. ويقال للطبيب عَرَّاف كذلك. والعَريفُ هو القيّم والسيد لمعرفته بسياسة القوم. و(العَرْف العامية) والعريف الفصحى في المغرب العربيّ هو نقيب المهمة وسيّدها، والعريف اليوم كذلك رتبة في الجيش.
وفي كل ذلك، يتعلق الأمر بالتعرُّف على الخفايا، لذا فالمَعارِفُ في لسان العرب هي أيضاً الوجُوه. والمَعْروف هو الوجه لأَن الإنسان يُعْرف به؛ قال أَبو كبير الهذلي (مُتَكَوِّرِين على المَعارِفِ، بَيْنَهم ضَرْبٌ كَتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ) والمِعْراف واحد. والمَعارِف محاسن الوجه، وهو من ذلك.
وهنا نبدأ بإدرك علاقة المَعارِف بالمرأة، فامرأَة حَسَنةُ المعارِف يعني جميلة الوجه وما يظهر منها، واحدها مَعْرَف؛ قال الراعي (مُتَلفِّمِين على مَعارِفِنا - نَثْني لَهُنَّ حَواشِيَ العَصْبِ)، ومعارفُ الأَرض أَوجُهها وما عُرِفَ منها. نحن هنا أمام مصطلح بسيكولوجيّ قد يتوجّب إضافته للمعجم النفسيّ العربي المأمول.
وهذه (المعارف) تشابه بشكل صارخ التعبير الشعبيّ العراقيّ (حلو المعاني) الذي يُراد به حلو الملامح، لكأن ملامح الوجه دالة على معانٍ عميقة، كأنها الظاهر الذي يدلّ على الباطن، وعلى المعنى. وأعتقد ان التعبير الشعبيّ هو محض صيغة من التعبير الفصيح، لكأن الثقافة بشّقيها العالي والعاميّ تتفق على أن المعارف – المعاني تُعرف بالملامح التي تُعرف بها الطبيعة الداخلية للإنسان، وإن الجَمال الخارجيّ هو دالّة على معنى جوهريّ.
المعجم، في هذا المقام، يمرّ من الظواهر إلى البواطن، من الملموس إلى المحدوس، وهذه وظيفة شعرية بامتياز، قد نجدها في مفردات وأفعال عربية كثيرة أخرى.