طالب عبد العزيز
قطع ما واضح، يحدث ساعة وصولك المطار، بين ما رأيته في البلاد التي جئت منها وبلادك، قد لايكون السلوك وقد لا تكون الخدمة العامة داخل أروقة المطار، لكنه يلقي بظلاله عليك، ويعمل على خلخلة وعيك ويربك منظومة أفكارك. ليس كل ما نراه في البلاد التي نسافر لها جميلاً ومثالياً، وليس بالضرورة أن يكون كل ما نعاني منه في بلادنا، مثالا للقبح والرفض. المسألة ليست كذلك قطعاً.
قد أبدأ بقضية بسيطة مثل التخطيط العمراني للمدن، المنازل والشوارع والارصفة والساحات العامة والحدائق والإضاءة وتوزيع مرافق الخدمة مثل الكراجات والاسواق وغيرها، فأقول لدينا مثلها، منازل وشوارع وساحات وحدائق ووو لكن لماذا الأمر مختلفاً ؟ نعم ، مدننا قديمة، وهي أقدم من أغلب مدن العالم، لكن العالم في قديمه وجديده شيء ونحن في قديمنا وجديدنا شيء آخر. فأختنق بحسرة عريضة، ترى، لماذا أهملنا مدننا القديمة وشوّهنا مدننا الحديثة؟ ما الذي يحدث في بلانا؟
معلوم إن العيش في المدن ينعكس على سلوك الانسان فيها، فهو في المدينة النظيفة الجميلة شيء، وفي المدينة الموسخة القبيحة شيء آخر، أقول هذه، وأنا أشاهد رئيس الوزراء، الذي امضى السنوات الطوال في فرنسا وهو يجاهد في خطاه، بضاحية في البصرة، الشوارع المليئة بأكوام النفايات والطافحة في مجاريها فأنصحه قائلاً: إن أردت أن تربح الانسان وتختصر الطريق الى رقيه فعجل بصنع المدينة التي تليق به، فما تنفقه في البناء ستكسبه فيه، سيكون لك العون في النظافة قبل كل شيء، سترى حديقة منزله بكل أنواع الورود إن اعطيته الماء العذب وسترى باب بيته نظيفاً وزقاقه وشارعه أجمل وأنظف إن أعنته في تصريف الماء الصرف في بيته، وجعلت من مجاري مدينته سالكة. إفعل ذلك وسترى.
وأزيده قائلاً:" أعطه قانوناً يحميه ستجده تخلى عن شيخ عشيرته القبيح، الذي لم تشأ أن يرقص أمامك، أثناء زيارتك الاخيرة، مثلما سيكتفي بولد واحد وبنت واحدة في بيته، ولن تكون زوجته مكينة تفريخ للاولاد، وسوف يتخلى عن مشروعه القتالي في أولاده، بل وأزيدك من الشعر بيتاً كما يقولون. سوف تجعله يفكر بطريقة جديدة في موقفه من الدين والمذهب والطائفة، ولن تجد في عموم ناسك هؤلاء من تحول الى بندقية، أو اندس في مجموعة ارهابية، اجعل التعليم هدفهم، والمال طموحهم، والحياة الكريمة غايتهم، ستكسب ودهم، ولن تنال منهم الناس وأنتَ إلا الخير.
لم يتفوق الانسان في أوروبا وأمريكا والعالم المتمدن على غيره إلا بكثرة الجامعات والمعاهد والمستشفيات والحدائق والشوارع النظيفة والقانون، ولم نكن بأدنى درجة منهم إلا بالجهل والمرض وأكوام النفايات وانعدام الأمن، فانظر الى مانحن بحاجته وأترك ما لا نفع فيها. لا نريدك أن تحمل طبق القيمة باللحم في النجف وكربلاء إنما نريدك حاملاً خرائط مستقبلنا في الحياة الحرة الكريمة، دعك من رجال الدين وخزعبلاتهم وتعال الينا بأقلامنا وأفكارنا وحبنا الى بلادنا، نصدقك الولاء ونكبر فيك روح الإقدام ونقدر لك جهدك وروح الرفض لكل ما هو بائس وقبيح.