إياد الصالحي
أسوأ ما في الشخصية المركّبة ذات السلوكين المتناقضين في التوقيت نفسه أنها لا تتوّرع من المجاهرة بالقوة في أوهن المواقف، وتأسرها مشاعر العدوانية باللحظة التي تخسر مصلحتها باستحقاق، وتُقطّع كل روابط صلة الفرد إذا ما أخطأ وأختلّ تصرّفه دون أن ينتبه لتبعاته في غمرة الانتشاء بمُنجز تحدّى فيه قدراته ليُحفّزها على النجاح.
المتباكون على خسارة أسود الرافدين مواصلة المسير الى نهائي كأس آسيا تناسوا عوامل عدّة اسهمت في الإقصاء، وصبوّا جَمَّ غضبهم على مدافع المنتخب القطري "بسّام هشام علي الراوي" كونه صاحب الهدف الوحيد الذي أهدى العنابي تذكرة العبور الى الدور ربع النهائي لمواجهة كوريا الجنوبية مساء غد الجمعة، فيما ترك منتخبنا يراقب موعد طائرة العودة الى العاصمة بغداد على نار الندم لتفويته فرصة العبور ذاته لو أحسن كاتانيتش وملاكه التدريبي المساعد على تهيئة اللاعبين أفضل مما شهده مجموع دقائق الشوطين مع بدل الضائع (98:04) التي مرّت بسرعة مع إيقاع لاعبي المنتخبين.
كفوّا عن ملامة بسّام وعائلته، فالانسان حُر أينما طاب له العيش والعمل، ومباراة كرة القدم ليست مجالاً للتخوين والتشكيك بوطنية أحد حتى وإن دفع منتخبنا ثمن الخروج من قدم لاعب عراقي النسب والجذر، إلا أن أنتمائه اليوم لقطر التي ترعرع في مراكزها لتكوين الموهبة تحت اشراف مدربين أجانب تخصّصوا في صناعة النجوم الصغار، ينبغي ألا يكون مبرّراً للسُبة أو التهوّر في حملات عبر مواقع السوشيال ميديا، ففطرة اللاعب في سنّه غير محصّنة بالخبرة لتفادي المبالغة في الاحتفال، تلك العادة التي تجري في الملاعب حتى على مستوى الأندية حينما يكتفي اللاعب بضرب كفوف زملائه المهنّئين عند إحرازه الهدف دون إظهار فرحته احتراماً لناديه السابق.
ما يُهمنا اليوم ليس ابن الراوي، بل كاتانيتش الذي تلقى الإشارة الخضراء من اتحاد الكرة برضاه عن عمله ليُطالب العراقيين في مؤتمر صحفي أعقب المباراة: "لا يوجد وقت للحسرة على الخروج، المهم هو الاستعداد للمنافسات القادمة والتحضير لها ونسيان كأس آسيا..الأوضاع صعبة قليلاً، بسبب التجمّع خلال 8 أيام كل شهر، لكننا نعمل بجد"!!
معلوم أن كاتانيتش قاد أول وحدة تدريبية للأسود في بغداد يوم الثلاثاء 4 أيلول 2018 تحضيراً لمباراة الكويت الودية، وإذا ما أستثنينا الشهر الحالي لتواجده معهم في الإمارات، فأنه أمضى 32 يوماً في تدريبهم للفترة من بداية أيلول الى نهاية كانون الأول 2018) استناداً لتصريحه آنف الذكر وهي مدة لا تتناسب مع قيمة العقد مليون ومئتي الف دولار له ولملاكه التدريبي ولا مع أهمية الانسجام والتقرّب اللازم من حركة الدوري ومتابعة احتياجات المنتخب، وهي مسائل يجب أن ينتبه اليها اتحاد الكرة في أول جلسة تشاورية مع كاتانيتش يقيّم فيه تجربة آسيا مثلما كشف رئيس الاتحاد قبل البطولة بأن عقد المدرب يسمح للطرفين بالمراجعة وإتخاذ القرار المصيري دون أن يُرتّب ذلك أي شرط جزائي في حال عدم استمراره في المهمة.
لا نقبل أن يُفسَّر موقف الإعلام الرياضي بأنه متعجّل ويهوى الأزمات وينتهز أي تعثّر لإثارة الجمهور ضد الاتحاد والمدرب، كلا، إعلامنا حريص في نقده ونتمنى من الاتحاد أن لا يعدّ مؤتمراً للتصبير مثل كل مرة، وعليه أن يدرس الإقصاء مع كاتانيتش ويخرج لنا ببيان مفصّل عبر لجنة المنتخبات، يوضح أمور كثيرة، ما التكتيك الذي لعب به المدرب في البطولة، وأسباب انخفاض لياقة أغلب اللاعبين أمام قطر بدلالة استبدال همام طارق وعلي حصني وعلاء مهاوي وقلة حماسة بشار رسن في الشوط الثاني وانعكاس ذلك على فاعليتنا الهجومية بعكس دوره في الشوط الأول، ثم التساؤل الأهم لماذا عزل "مهند علي" في المقدمة برغم قلّة خبرته وبروزه على الصعيد المهاري؟ ثم أين تنظيمنا الدفاعي مثلما بان بشكل مميّز لدى القطريين؟ يا سيد كاتانيتش لم نلحظ أي تجاذب بين اللاعبين واسلوبك التكتيكي الذي دار في رأسك فقط كي تبرر لنا "أن الإصابات عَصَفتْ بافكاري التي رسمتها لسيناريو اللقاء"!
بصراحة إن هدف القطري بسام الراوي عاقب الاتحاد مرّتين على خطأين وطنيين لا يغتفران (دون علمه طبعاً) الأول أن حصيلة المباريات العشر ( ست وديات وأربع رسميات) بقيادة كاتانيتش يمكن للمدرب السابق باسم قاسم تحقيق أفضل النتائج فيها ويذهب بعيداً الى المربع الذهبي لتمتعه بالاستقرار والانسجام مع لاعبيه ولا ضير بمرافقة كاتانيتش له للتعايش والتهيئة معه للاستحقاق الأكبر في تصفيات مونديال 2022، لكن (خباز المحلّة غير مرغوب)! والثاني ليس بعيداً عنّا ياسر قاسم الذي استقتل من أجل تمثيل وطنه وبرع أيما براعة فأين هو الآن؟ حاله حال عشرات الموهوبين الذين صُدِموا بمزاج الـ( لا ) عند بعض مدربي الفئات وهم لا يفقهون بفتات علم التدريب!