TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: ظواهر أدبية: زافون أنموذجاً

قناديل: ظواهر أدبية: زافون أنموذجاً

نشر في: 26 يناير, 2019: 06:57 م

 لطفية الدليمي

نواصل كتّابا وقراءً ومترجمين ملاحقة مايتعلق بالنتاج الروائي العالمي سواء عبر ترجمة الدراسات المتخصصة عنه كما في الترجمات التي تصديت لها شخصيا وصدرت عن دار المدى مثل كتاب (تطور الرواية الحديثة) وكتاب (الرواية المعاصرة) وكتاب (الرواية العالمية) ، أو عن طريق قراءتنا للروايات المترجمة حديثا على ندرة مايترجم قياسا لحجم الاصدارات الهائل من الروايات الاوروبية والأمريكية والآسيوية والإفريقية ، إذ يهتم معظم المترجمين بالروايات التي حققت شهرة أو تأهلت للجوائز، أو بأعمال نالت الشهرة بعد فوزها بنوبل للأدب مع تواضع مستواها الفني الذي يؤكد خلل اختيارات نوبل للأسماء الأدبية بخاصة في السنوات العشر الأخيرة، إذ خيبت هيئة الجائزة آمال القراء الذين راهنوا طويلا على فوز أدباء كبار ثم فوجئوا بفوز أسماء ماكانت لتخطر على بال أحد جرى تتويجها لحسابات سياسية وتسويقية خاضعة للعلاقات العامة كما في معظم جوائز الأدب.
لفتت الأنظار في الأعوام الاخيرة روايات ترجمت عن اللغة الايطالية كرباعية ايلينا فيرانتي النابولية التي لاقت نجاحاً كبيراً باعتبارها نغمة عولمية في معزوفة التحولات الأدبية العالمية التي تحتفي بالنبرة المحلية والرؤية النسوية للعالم ، ومثلها رباعية كارلوس زافون التي ظهرت الأجزاء الثلاثة الأولى منها عربياً وهي مكتوبة أصلا باللغة الاسبانية لتحتل مكانة فريدة لدى القراء العرب الذين افتتنوا بأصالة الرواية وكثافتها وعمقها كما فعلوا من قبل مع روايات النوبلي غابرييل غارسيا ماركيز.
اتجه بعض المعنيين بالرواية عندنا الى اعتبار أعمال زافون حالة معيارية واقتراحها كأنموذج ينبغي الاقتداء به في ثيماتها وأسلوبها متناسين أن اختلاف شخصية زافون ونمط حياته وأن نضجه الإبداعي تكامل وأثمر في مجتمعات حرة ومدن مفتوحة الآفاق وثقافة ليبرالية أتاحت له قدرا كبيرا من حرية الحركة ومعاينة ثيماته برؤية متعمقة لاتتاح للكاتب العربي المحاصر بشظف العيش والمحظورات المهيمنة على رؤيته ونتاجه فضلا عن كون زافون ربيب مدينة برشلونة الكوزموبوليتانية الكبرى ويعيش اليوم في مدينة عالمية أخرى هي لوس انجلس .
الرواية كما يعلم الجميع هي فن مدينيّ بورجوازي وليست حكاية ريفية عن شخصيات بسيطة، وينسى من يعتبرون روايات زافون - وصفة معيارية لكتابة رواية إن فلسفة المدينة الغربية وبنيتها الفكرية والمعمارية والتعليمية وطبقاتها الاجتماعية هي التي منحت عبقرية زافون هذا المدى من الأصالة والإبداع المتقد والفرادة في صوغ سردياته. فنحن نعرف جميعا أن الرواية ولدت في حاضنة الغرب الثقافية برغم الجدل القائم حول هذا الأمر ، فكان حرياً بالفن الروائي أن يتأثر بمجمل التطورات الثورية التي شهدتها المجتمعات الغربية في حقول الفلسفة والسيكولوجيا والعلم والتقنية والتجارب السباقة في مجالات الحياة ، مما منح الفن الروائي الغربي حركية مستمرة مكّنته من عكس إسقاطات تلك التغيرات الثورية على المنتج الروائي وتطعيمه بالحمولات المعرفية والكشوفات التي تضيء جوانب الحياة الانسانية المعقدة ، بينما انشغلت معظم الروايات العربية بملاعبة اللغة ووصف الوقائع من غير التأثير فيها وتجنبت الخوض في المعضلات الفكرية والفلسفية. ولكن ، ماسبب انتشار الآداب الآسيوية أو الأفريقية أو التركية في الشرق والغرب ؟
يبدو أن تلك الآداب انتشرت بعد أن رسّخت بلدانها بنيتها التحتية الاقتصادية والصناعية والتعليمية مستفيدة من الإرث الكولونيالي في التنظيم المؤسساتي وتوظيف وسائله لتحقيق الحضور العالمي بخاصة الكتابة باللغة الإنكليزية وهجرة بعض أدبائها الى المركزيات الغربية وتوظيف تجاربهم الثرية في أعمال حازت على القبول عندما خاطبوا القارئ الغربي بخطاب منفتح يقترب من اهتماماته أو تحدثوا عن تقاليد محلية ذات طابع سحري أو أسطوري...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram