علي حسين
لعلّ أسوأ ما يحدث للكاتب، أن يضرب أمثلة بأشخاص كان قبل سنوات يهتف بسقوطهم، ويضعهم في خانة الأعداء، ماذا يحصل لنا، ونحن نرى العالم يتغير بين ليلة وضحاها، بينما نحن منشغلون بعريضة صباح الساعدي الذي قرّرَ أن يطرد الأميركان، ونسي أنّ هناك قوات تركية استعرضت اليوم عضلاتها في دهوك ضدّ محتجّين نددّوا بالغارات التي تقوم بها تركيا ضدّ مناطقهم، فقط قرأنا"بفرح"بياناً للزعيمة حنان الفتلاوي أكدت فيه أنها لاتزال ترعب العراقيين الفاشلين الذين يستكثرون عليها منصباً حكوميّاً.
عندما عُيّنَ هنري كيسنجر مستشاراً للأمن القومي عام 1969، بدا الأمر مفاجئاً للجميع، فليس من السهل أن يعطى هذا المنصب، لرجل مولود في ألمانيا، لكنّ هذا الرجل القصير استطاع أن يلمع في العالم فقفز من مجرّد صحفي يعمل في صحيفة أُسبوعية الى واحد من أهم رجالات السياسة الأمريكية، يجلس في مكتبه لتمرّ من أمامه كلّ الأوراق المتصلة بالشؤون العسكرية والداخلية والخارجية، واضعاً ضوابط سياسة صارمة، تذكرت كيسنجر هذه الايام وأنا أقرأ ما كتبته حنان الفتلاوي أيضاً على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك"تطالب القوة السياسية"بأن لاتجعل القاصي والداني يشمت بنا بعد أن عبرنا معاً إلى برّ الأمان بالبلد"
في روايته الشهيرة"القصر"أو القلعة كما في بعض التراجم، يحاول بطل فرانز كافكا أن يعلم أهالي مدينته أن الحقوق مسألة تستحق أن يقاتَل من أجلها الإنسان، وأن قانون القصر ليس مقدّساً. اليوم تتنوع علينا الخطابات والشعارات من دون أن يحافظ الساسة الأشاوس على كرامة الوطن، حيث تغيب العدالة الاجتماعية والنزاهة والمسؤولية الوطنية.
عاش العراقيون في ظل القائد الضرورة في أعوام العبور، كل عام يأخذهم الى عام آخر أكثر بؤساً. ولم يكن يعرض عليهم غير خطب الساعة التاسعة التي استبدلت بعد سنوات بخطب الأربعاء. الآن كل الطرق تؤدي الى عبور وهمي. هل هذا قدَر الشعب الذي اعتقد أنّ التغيير سيجعله يعيش عصراً جديداً من الأمان والرخاء، ولم يكن يتوقع أن فضائح الساسة وسرقاتهم ستنشرها الصحف الأجنبية لا المحلية، وأن لاتنمو في هذه البلاد سوى الطحالب السياسية التي ترفع شعار"النهب الكامل".
قبل سنوات شاهدتُ حواراً للراقصة الشهيرة نجوى فؤاد، قالت فيه إن هنري كسنجير كان يذهب لمشاهدتها ترقص في كل مرّة يزور فيها القاهرة.اليوم البركة في نوّابنا الأعزاء الذين يرقصون على مختلف الموائد بجدارة!