طالب عبد العزيز
كنّا، أنا وجمال مصطفى، الشاعر، وعدنان عبود، وأحمد عبد الرزاق، ومنقذ الشريدة الفنان التشكيلي المعروف، حتى بداية الحرب مع إيران، مطلع الثمانينات، من القرن الماضي، آخر من ينتزعهم باصُ مصلحة نقل الركاب من مقاعد نادي الفنانين، الذي بالعشار الى ابي الخصيب، حيث نسكن منذ مئات السنيين، وكنت أول النازلين بينهم، أنا من أهل عويسيان، وجمال وأحمد من أهل يوسفان، أما منقذ، فمن بلد سلطان، لكنّ، عدنان عبود، الشيوعي، ذا البشرة السوداء، فهو الوحيد، الذي بيننا من أهل الصالحية. ذاك الصوب.
عدنان، الذي أحسَّ، ذات يوم بأنَّ الرسام (صالح جادري) إنما يخطط وجهه في غفلة منه، يرسمه، ونحن جلوس، على تخوت مقهى عبد الله، التي عند مدخل شارع الكويت، من جهة نهر العشار. المقهى التي كانت ملتجأنا بعد تفكك دكّة مقهى ابي مضر، التي على النهر مباشرة، من قبل سلطة النظام، آنذاك:" سمعتُ عدنان يقول لصالح، إذا أردت أن ترسمني فارسمني متأملاً".
ليس لعدنان عبود، الشيوعي، الذي من أهل الصالحية، من طريق الى بيتهم إلا التي بالقارب، عبر شط العرب، لذا، فأقرب نقطة تؤدي الى بيتهم، هي التي من يوسفان، قرب مكبس تمور الموسويية، الاحسائيين، حيث يسكن جمال وأحمد، لذا لم يكن له من بدٍّ، في الليل سوى أن ينادي بأعلى صوته على أهله، لكي يأتي أحدهم بقارب، من الخشب أو من الصفيح ليقله من ضفة شط العرب، بأبي الخصيب الى ضفته الثانية، التي في الصالحية، لكنهم (أهله) قلما يسمعون نداءه، في الليالي الشاتيات ، ذوات الريح والرعد والمطر والبرق، في الليالي حالكة الظلام، لكنه، إذا ما استبد ياسه به، وتضاءلت أفعال الخمرة في راسه، لا يجد حيلة سوى أن يتخذ من شجرة اليوكالبتوس العملاقة، التي على النهر منامة له، عندها سياتي الصباح له ويسكون صوته مسموعا، وصورته على الماء معاينةً.
أطْينَ الشارعُ، الذي الى البيت
وانكفأت الاشجارُ، تنوسُ اغصانُها العتبة
وكلُّ ما في كفن الغروب من الموت صار لي
سكرانٌ أنا، فقد فتحتْ حانةٌ بـ"الوطنيِّ" بابتها، ودخلت
وهائنذا، أتهجّى الخُطى، أنتقي منها ما يقودني الى الاهل،
والى حيث ينهدم الحائطُ، قربَ الكلبتوسة
أتحامل، أحملُ الصمت يافطةً الى هناك ..
وهذه الدنيا، تجنُّ ماطرةً ..
هذه الريح، تخرق عادتها، التي في السعف
ساسمّي الخرنوبَ عاصفةَ
والنخلةَ الوحيدةَ، على الشاطئ، منامةً للمتأخرينْ
ليس في المُتطاوِل من الخُطى، ما يوصلني الى البيت
بعدتُ عنهُ، وهذا النَّهرُ حائلٌ
كلُّ الصيادين لم يتوقفوا عند الظلام، الذي أنا به
هي ذي البمّبرة الاولى، بلا ورق
وما في المُتاحِ، تحت التوت، من منتبذٍ لي
لكنني، ساصيحُ بهم عالياً :
أدفعوا بالقارب لي
ادفعوا بالقارب لي ...
انا عدنان عبود ..
انا في "يوسفان" الآن
هل بينكم من يأخذ بيدي
الى "الصالحية"،
حيث انام.
اليوم، وأنا أستعيده، حيث لم يبق من عدنان عبود، إلا صورة بالابيض والاسود، معلقة على حائط، في منظمة الحزب الشيوعي، فقد قتلت السلطات البعثية عدنان عبود، قالوا ماتن وقالوا استشهد، لكنه، لم بكل تاكيد، لم يجد من يقله الى الضفة الثانية، حيث يكون متأملاً، هناك.