علاء المفرجي
لطالما كانت الكتابة للسينما أو بمعنى علمي السيناريو ، إحدى الاسباب التي ترجع الى تأخر الفيلم والسينما، بل لعلها سبب رئيس .. فمن خلال نظرة سريعة على ما انتجناه من أفلام، خاصة بعد عام 2003، قصيرة في معظمها، والطويل القليل منها، يعاني من قصور واضح في شكل الكتابة ومضمونها ، وهو ما أثر في مستوى هذه الأفلام، فموضوع واحد هيمن على الإنتاج الفيلمي العراقي، هو الحدث العراقي بتفاصيله، وتداعياته، وأثره الاجتماعي والنفسي.. خاصة مع الأفلام التي حظيت بمشاركات في المهرجانات السينمائية، و البعض منها انتزع جوائز في هذه المهرجانات.
لكن المشكلة القائمة تتمثل في أسلوب المعالجة، والقدرة على إقناع المتلقي بهول هذا الحدث ومأساويته من دون الوقوع في أسر الوثيقة التي كانت في الأغلب الأعم المادة الرئيسة لمتن جميع موضوعات هذه الأفلام.. لا فرق هنا بين فيلم وثائقي وآخر روائي طويل.. وهو ما يوحي بعجز واضح عند صنّاع هذه الأفلام في تمثيل الحدث ، وإعادة إنتاجه من دون أن يفقد حرارة الفعل والتأثير، وهي بالضبط مهمة الفنان وفيما عداها هو عمل للمؤرخ الذي تكون الوثيقة لديه مادته الأساس..
في العامين الآخيرين سنحت لنا فرصة مشاهدة كمٍ من الأفلام العراقية بين وثائقية وروائية في مهرجانات عربية ومحلية مختلفة، اعتمد أغلبها على الموضوعة نفسها: صور عن أعمال عنف وانفجارات وزعيق سيارات إسعاف.. ودخان أسود يحجب الأفق.. ودمار مدن، ونساء ثكالى.. وغيرها تكتفي بعرضها لتعبر هي عن مضمونها ، تماماً كما تفعل وسائل الإعلام المرئية – وهو أمر من صلب مهامها- ومن دون بادرة إقناع واحدة إن ما نشاهده هو عمل فني، لا عرض إخباري..
المخرج الشاب وارث كويش المقيم في باريس عرض علي –مشكوراً- مسودة معالجته السينمائية لمشروعه الفيلمي الجديد، وهي مازالت مسودة تحتاج بعض التعديل والاستئناس بآراء أصحاب الاختصاص الذين تُعرض عليهم، لتقطع نصف المسافة، التي توصل إلى فيلم جيد، كما يقول المخرج قيس الزبيدي.. السيناريو مختلف عما عرفناه في أفلامنا للفترة المذكورة، هو ببساطة يتحدث عن الجيل الجديد من المنفيين العراقيين، الجيل الذي خاض خطورة ومغامرة البحر كي يصل الى مدن (أحلامه)، هذا الجيل من المنفيين هو موضوع معالجته الفيلمية، وهو الجيل الذي يقترب من عمره وهمومه، وتطلعاته.. لذا جاءت المعالجة أمينة لواقع هذا الجيل، هو لايتحدث عن الاندماج والعيش في مجتمع جديد، هو نقل مشاكل هذا الجيل وهمومه، الى مكان يفترض إنه سيتأثر به، وهذه بطبيعة الحال تمنح المشاكل أبعاداً أخرى، سيكون الآخر جزءاً منها بل محركاً لدوافعها.. سنقترب أكثر من طبيعة الأفكار التي تجول في رؤوسهم.
معالجة وارث الفيلمية تتجاوز الكليشيهات التي تحكم أفلام أقرانه، التي تعاني خلطاً يُصعّب التقطيع التقني. ، ولأنها تفتقد التناسق الداخلي بشكل واضح مما يربك المشاهد. وتعاني من مشاكل في العرض وقراءة الحدث . باختصار سيناريوهات مشغولة بالكلمات دون الصور. لاتفاجئ المشاهد... فوارث شحن مشروعه الفيلمي بالأسئلة، بالصور المتدفقة التي وقفت عند الأحداث المفصلية التي يمر بها الإنسان العراقي.. تبرز قدرة الفن في استلهام الحدث بأعمال تحمل قيمة جمالية وفكرية، ترتقي به إلى مستوى أهميته وتأثيره..
أتذكر معنى قاله سارتر من إنه يمكن لنا أن نصف حفلة موسيقية ألمانية في إحدى حدائق باريس لنظهر هول الاحتلال النازي لهذه المدينة، أفضل من أن نتحدث عن تفاصيل تاريخية لهذا الحدث..
ينطلق سد فيلد في كتابه (السيناريو) من سؤال لرينوار: ما هي السينما؟ المستقبل هو السينما. يتغير الزمن ويتغير جواب السؤال. ونقول يتغير المكان أيضاً.