adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
انتخابات مجالس المحافظات ستجري العام الحالي أو العام التالي.. ما من أحد سيمكنه إلغاءها لأنها استحقاق دستوري.. ليست قوة الدستور هي ما تفرض إجراء هذه الانتخابات، فقوة الدستور جرى تحدّيها مرات عدة، وأحكام الدستور ومبادؤه تجاوزها وانتهكها بدل المرة الواحدة مرات ومرات، الكثير ممّن ساهموا في تشريعها من نواب ورؤساء وزارات ورؤساء جمهورية ونوابهم ووزراء وسواهم، فضلاً عن الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة... الانتهاكات الدستورية عندنا صارت القاعدة وليس الاستثناء، وآخر انتهاك كان بتمرير وزراء في الحكومة الحالية ليس بإرادة مجلس النواب (أغلبيته) كما يحكم الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، وإنما بالإرادة الشخصية لرئيس المجلس الذي تجاوز على النظام الداخلي والدستور وقرر أن وزراء حصلوا على الأغلبية، وهم لم يبلغوها. رئيس المجلس أحصى بنظرة خاطفة من عينيه وقرّر فيما الأغلبية من النواب تعاملت مع هذا الانتهاك كما لو كانوا قطيع غنم وليسوا نواباً للشعب، مؤتمنين على قضاياه ومصالحه الحيوية، فلم تجر عملية تصويت أصولية ولا عملية عدّ أصوات أصولية. والمفترض أن تظلّ هذه القضية التي اعترض عليها بعض النواب وقتها مطعوناً بها.
انتخابات مجالس المحافظات ستجري برغم الاعتراضات، لأنها تمثل مصلحة للراغبين في الترشّح ولأحزابهم الطامعة في الإبقاء على هذه البقرة الحلوب، مصدراً الثروة والسلطة والنفوذ لقيادات هذه الأحزاب، وهي في الغالب إسلامية تتعرض الآن الى النبذ الاجتماعي المتواصل.
المعترضون على هذه الانتخابات لهم كلّ الحقّ في الاعتراض وحتى في المطالبة بإلغائها، فهذه المؤسسة لم تبرّر نفسها بعد نحو خمس عشرة سنة، بل هي مصدر شقاء وبؤس لسكان المحافظات، كما يرى البعض، لأنها وفّرت الملاذ للفاسدين والمفسدين.
لكنّ المشكلة والخطأ ليسا في فكرة مجالس المحافظات أو مجلس النواب وانتخاباتها، إنما في المجالس نفسها، فهي بالنسبة للكثير من الذين أقبلوا عليها وتنافسوا في سبيل الاستحواذ على مقاعدها مصدر ثروة وجاه وليست مكاناً لخدمة المحافظات وسكانها الذين ينتخبون مَنْ يُفترض أنهم ممثلوهم .. محافظون ورؤساء محافظات وأعضاء مجالس محافظات بالعشرات انتهوا الى كونهم حرامية مال عام اغتنوا منه وبنوا إمبراطوريات مالية وعقارية في الداخل والخارج، والذين انكشف أمرهم وقُدّموا الى القضاء بتهمة الفساد الإداري والمالي انتصروا على القضاء وأحكامه بقانون العفو العام الذي سنّته الطبقة الحاكمة نفسها للإفلات من العقاب، وها إن البعض منهم قد عاد الى وظيفته السابقة أو ترقّى الى وظيفة أعلى، عضواً في مجلس النواب الاتحادي أو وزيراً و بدرجة وزير في الحكومة الاتحادية!!
من المفترض أن تضم مجالس المحافظات، وكذا البرلمان الاتحادي، ممثلين صادقين وأمناء ونزيهين وجادين ومثابرين. الاحزاب المتنافسة لا ترشّح ناساً من هذا النوع، ولأنّ قانون الانتخابات ليس من النوع الذي يساعد على فوز الصادقين والامناء والنزيهين والجادين والمثابرين، فالعملية الانتخابية يجري التلاعب بها منذ البداية( عملية الإدلاء بالأصوات ) حتى النهاية (عملية فرز الاصوات)، ويلعب المال دوراً حيوياً في هذه القضية .. هذا ما تكرّر عندنا مرات عدة ..
نظرياً إصلاح حال مجالس المحافظات ليس بالأمر المستحيل.. انه يتطلّب قانوناً انتخابياً يتحقّق في ظله العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، ومفوضية انتخابات مهنية ونزيهة.. وهذا بدوره يتطلب فقط أن تكف الاحزاب السياسية أيديها عن التدخل في شؤون مفوضية الانتخابات، وأن تراعي وتحترم استقلاليتها، وألّا تستخدم المال ( المسروق في الغالب من المال العام) لشراء الذمم.
مَنْ يفعلها؟!