TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: الموقف أم الأدب الجيد ؟

قناديل: الموقف أم الأدب الجيد ؟

نشر في: 2 فبراير, 2019: 05:29 م

 لطفية الدليمي

أن يكون لكاتب ما موقف سياسي معين ،لا يمنحه الحق في كتابة أدب رديء ، وغالباً مايحدث هذا مع كتاب ينتمون لأحزاب أو مؤسسات بعينها أو نظام سياسي ما وتتبناهم جهات من داخل البلاد أو خارجها ،و تُمَرَر الرداءة الأدبية بسلطة الحزب والمال أو بنفوذ جماعة أو تنظيم ما أو طبقة اجتماعية ذات حضور مهيمن؛ فتكرس الأعمال الرديئة المتهافتة على أنها النوع الأدبي الأعظم وتمنح لها الهبات والجوائز، وتنساق الجموع المحكومة بسلطة وسائل الإعلام وراء هذا الترويج المبرمج للرداءة .
يخشى كثير من المثقفين إعلان مواقفهم لأنهم مسكونون بالخوف من سلطة متعسفة قد تنفيهم عن الحياة؛ فيؤثرون السلامة على المجاهرة بموقف، غير أن الكلمة قد تفعل فعلها في الناس مهما كانت ومهما كانت قوتها أو خفوت صوتها ،وإذن لابد للكاتب من موقف؛ فصناعة الإبداع التي تشيع الجمال والقيم السامية تشكل ضد القبح والظلم والكراهية ،لكن المواقف المعلنة إزاء قضية ما هي التي تمنح الابداع الجيد قيمته وأهميته التاريخية.
تتقاطع آراء المبدعين حول موقف الروائي ودور الأدب، فهذه توني موريسون - حائزة نوبل للأدب - تصرح بصوتها الواثق : (الأدب هوالخيمياء التي تحوّل الحقيقة إلى كلمات)، ويعلن الفرنسي لوكليزيو - حائز نوبل 2008 - إن وظيفة الأدب الأساسية اليوم تكمن في ملاحقته للصدى الذي تخلفه الفوضى الراهنة وهي تقصف حقبتنا المضطربة بفيض من الصور والأفكار كل يوم ، يختلف معهما الروائي المكسيكي كارلوس فوينتس الذي يصر على (أن جودة الأدب هي مسؤولية الكاتب الاجتماعية الأولى ، ثم تأتي بقية الأشياء لاحقاً) من جانب آخر مختلف تماما نقرأ أن كافافيس أكّدَ في كتاب ( التأملات) على أهمية الكلمات بخاصة عندما يجد المرء نفسه محاطا بآراء تتعارض مع موقفه فيلزم عدد من المثقفين الصمت في اعتقاد مغلوط بأن الكلمات غير مجدية وأن الموقف لن يفضي إلى تغيير ملموس ، ويعلن كافافيس (ذلك خطأ كبير ، أنا أفعل العكس، فعلى سبيل المثال، شخصياً أنتقد عقوبة الإعدام وأعلن ذلك في كل فرصة متاحة ،لا لأني أعتقد أن الدول ستلغيها غدا بفعل كلماتي، بل لأني مقتنع بأن إعلان موقفي سيساهم في انتصار وجهة نظري في النهاية)
يدرك المبدع الحقيقي أن اتخاذ موقف من قضايا تهم بلده والإنسانية يتلازم مع الإبداع الجيد وأن معظم أدباء العالم الكبار لايكتفون بالكتابة الإبداعية - بل لابد لهم من عمل معلن ومواقف اجتماعية جريئة ضد الخلل والفساد والاستبداد والمظالم، ولابد لكلمة أو موقف شجاع مؤثر فالكلمات لن تضيع سدى في الهواء، لربما يتلقاها بضعة أشخاص، أوقد يسخر منها بعض الرافضين للمواقف، لكنها في النهاية ستؤثر في الناس وتدفعهم للتفكير واتخاذ موقف من القضايا العامة.
يعود لوكليزيو ليؤكد بأن (الأدب في النهاية هو إحدى الوسائل لتذكير الناس بالمآسي المنسية ووضعها في مركز الإهتمام العالمي ، ولدي رغبة عارمة في الحديث عن الحروب التي تقتل الأطفال بلا رحمة وأرى ذلك من أكبر المآسي وأشدها فظاعة )
يعارض الروائي الروسي المعاصر فلاديمير سوروكين ويقف موقفاً مختلفاً بين الفريقين فيقول : (إن دافع الكتابة يكمن في سحر العملية الأدبية فلو أخذنا نابوكوف أو كافكا أو جويس مثالاً ، لقد كان هؤلاء جميعاً مفتونين بالأدب وتعلم الناس من أعمالهم أكثر مما تعلموا من أدب الاحتجاج والمعارضة المباشرة والنقد الاجتماعي والصحافة)،ولكن ياسوروكين لايملك أغلب الكتاب عبقرية ناباكوف أو كافكا أو جويس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram