اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: ضوء الحب والرسم

باليت المدى: ضوء الحب والرسم

نشر في: 2 فبراير, 2019: 05:36 م

 ستار كاووش

كيف تتغير حياتنا؟ وماهي الأشياء الإستثنائية التي تصادفنا وتبدل طريقنا الى الأبد؟ أشياء تسحبنا من حياتنا التي نعرفها وتضعنا على عتبة حياة جديدة لم نتوقعها؟ هذا ما فكرت به وأنا أستحضر لوحة (الحراسة الليلية) التي أعتبرها واحدة من الاشياء التي ساهمت في تغيير حياتي، منذ تعرفت عليها بالمصادفة في صباي، وأنا أقف متهجياً إسم ريمبرانت على غلاف الكتاب الملون الذي إشتريته، والذي يضم أعماله. عندها شعرت وكأني قد عثرت على الصندوق السحري للرسم. والآن أستعيدها هنا لأنها منحني القدرة على المضي في هذا الطريق الملون والجميل والصعب، وصار ريمبرانت مثل طَيف ملهم يظهر لي في كل مرحلة من حياتي، ليقف لحظات بجانبي، يشد على يدي ثم يغادر عائداً الى عصر الباروك الذهبي.
هناك بين طيّات ذلك الكتاب البعيد، طُبِعَتْ على صفحتين متقابلتين لوحة (الحراسة الليلية)، يالها من لوحة، وياله من ضوء. يالجمال التكون الذي صنعه هذا العبقري، ويالقوة الرسم حين يكون بهذا الكمال. ياللضوء الودود الذي يحتضن مقدمة اللوحة، ويالروعة الظل الذي يخفي بغموض ومتعة سر الشخصيات في الخلفية. كنت أتتبع حركات الأشخاص وكأنهم في عرض مسرحي مهيب، وقد شغلتني هذه اللوحة كثيراً وبتُ أعرف شخصياتها جيداً بكل إيماءاتهم ونظراتهم وخطواتهم التي تسبق الظلام نحو الضوء. ذلك الكتاب غيَّرَ حياتي كلها وَحَوَّلَ خطواتي من ممارسة الكرة التي كنت أعشقها، وإتَّجَهَ بي نحو عالم الرسم، وتلك اللوحة كانت محفزي الكبير للتعلق أكثر بالفن والذهاب فيما بعد الى أكاديمية الفنون الجميلة. وخلال السنوات التي تلت ذلك الكتاب كانت الحراسة الليلية هي المثال الساطع بالنسبة لي على قدرة الإنسان ذي الموهبة الاستثنائية على إبتكار أشياء عظيمة، أشياء لا تتكرر وتكون مصدراً ثابتاً للإلهام.
مرَّت الأيام وحراس ريمبرانت لم يغادروا مخيلتي، والضوء الذي يهبط عليهم بشكل جليل ومقدس أمام إحدى بوابات المدينة ظل يشغلني، حيث تمتد يد الكابتن كوك لتقترب من عين المشاهد، وهو يستطلع دوريته في أحد مساءات أمستردام الخالدة.
تنقلتُ بين بلدان ومدن عديدة، حتى حططتُ رحالي في هولندا التي حلمتُ بها طويلاً، لأجد نفسي على حين غرة في متحف رايكس ميوزيام بأمستردام، واقفاً وجهاً لوجه أمام لوحتي المفضلة، ياإلهي، لا يبعدني عن اللوحة الأصلية سوى نصف متر، أي ذات المسافة التي كانت بينها وبين ريمبرانت حين كان منشغلاً برسمها قبل بضعة قرون! تملكني نوع من الرهبة الممزوجة بفرح كبير وانا اقول لنفسي، ماذا فعلتُ في حياتي كي أستحق مثل هذه اللحظة العظيمة؟ قبل ذلك كنت أُمَنّي نفسي في بغداد بالحصول على كتاب بطبعة أكثر جودة مما لدي، كي أرى هذه اللوحة بشكل أشد وضوحاً، وها أنا أقف بكل بساطة أمام حقيقتها الكاملة. شعرت بأن جزءً كبيراً منها يخصني لأن لي تاريخ شخصي معها. ما أروع الحياة التي منحتني هذه الفرصة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد دعاني التلفزيون الهولندي بعد سنوات لأشترك في برنامج تلفزيوني إسمه (نجوم على الكانفاس) وقد صُوِرَ الجزء الأخير من البرنامج في متحف رايكس ميوزيام ذاته، لأجد لوحتي التي رسمتها للبرنامج معلقة قرب لوحات ريمبرانت وفي القاعة التي تطل على الحراسة الليلية (ساعة واحدة فقط لتصوير البرنامج)، وقفت أمام لوحتي ومددتُ رأسي نحو الحراس الواقفون في اللوحة العظيمة قائلاً، أنا هنا يا أصدقائي القدامى، لقد جئتكم من مكان بعيد، لكني أعرفكم جيداً منذ كنت صبياً في بغداد.
حين أهدتني هولندا في صباي لوحة الحراسة الليلية في ذلك الكتاب، كانت قد ملأت قلبي بضوء الرسم، لكنها عادت بعدها بسنوات وأهدتني أليس التي أحببتها وتزوجتها، ليملأ ضوء هولندا حياتي كلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram