ترجمة / المدى
وقعت بغداد الاسبوع الماضي قانون لأحد اكبر رزمها الانفاقية على الاطلاق بعد أشهر من المعوقات . بمعدل انفاق يصل الى 111.8 مليار دولار فان ميزانية عام 2019 سجلت زيادة بنسبة 45% تقريبا عن ميزانية العام الماضي ، مشكلة بذلك أعلى نسبة عجز وثاني أكبر معدل انفاقي في تاريخ العراق منذ العام 2003
ولكن على الرغم من الحاجة الملحة لتخصيصات مالية لإعادة الأعمار بعد حرب تدميرية استمرت لثلاث سنوات ضد داعش ومع قطاع تجاري معوق يعتريه فساد حكومي ، فان خبراء عراقيون يقولون إن الخطة الانفاقية ماتزال غير قادرة على إيجاد حلول لأكثر مشاكل البلاد إلحاحاً .
عباس كاظم ، مدير المجلس الاطلسي لمبادرة العراق ، قال في حديث لموقع سي ان بي سي الاميركي للاخبار الاقتصادية " كمية الهدر والتخصيصات الخاطئة للاموال أمر شنيع جداً . رغم كونها خطة انفاقية ضخمة جداً فان ميزانية العراق الجديدة ما تزال تعاني من نفس المشاكل . نسب كبيرة جداً من الميزانية تذهب إلى الرواتب ، في حين المجالات التي تتطلب تخصيصات مالية ضرورية لإعادة إعمار البنى التحتية في المناطق التي تحتاج إعادة إعمار فإنها غير كافية."
نصف الميزانية تقريباً , ما يقارب 52 مليار دولار ، ستذهب لرواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين والضمان الاجتماعي لموظفي الحكومة وهي تشكل زيادة بنسبة 15% عن ميزانية 2018 . الاستثمارات ستخصص لها 27,8 مليار دولار وستبلغ نسبة العجز اكثر من ضعف لتصل الى 23,1 مليار دولار.
ممثلي المناطق التي تعرضت لدمار الحرب ضد داعش في البرلمان يتهمون الحكومة بعدم تخصيص تمويل كافي لمشاريع اعادة اعمار مناطقهم . صندوق النقد الدولي قدر بان العراق يحتاج الى اكثر من 88 مليار دولار لاعادة اعمار تلك المناطق ، ولكن تعهدات دولية لم ترقى لحد الان الى تلبية اقل من نصف هذا الهدف. المحلل الاقتصادي العراقي ، حمزة حداد ، كتب على موقعه في تويتر قائلاً " من خلال نظرة سريعة على ميزانية 2019 الفدرالية بامكانك القول إن هذه الحكومة ليست هنا لتفعيل قرارات غير شعبية مثل الاستمرار بإصلاحات اقتصادية تولتها الحكومة السابقة خلال انخفاض اسعار النفط . فهي لا تتمتع بنظرة اقتصادية بعيدة الامد ولكن فقط لكسب رضا الشعب لفترة قصيرة. عوائد النفط تشكل نسبة 90% من حجم ميزانية العراق . احتسبت ميزانية هذا العام على معدل تصدير نفطي بحدود 3,88 مليون برميل باليوم وهو اعلى من المعدل الذي احتسب لميزانية عام 2018 والذي كان بحدود 3,8 مليون برميل باليوم . واستناداً على سعر 56 دولاراً للبرميل مقارنة بسعر 46 دولاراً للبرميل احتسب لميزانية العام الماضي.
بالنسبة للخبير الاقتصادي ، كاظم ، فإن اعتماد معدل تصدير النفط وسعر البرميل كشيء أساسي في حساب الميزانية هو أمر لا ينم عن مسؤولية . مؤكدا بقوله " أي من هذين العاملين هو ليس بيد الحكومة العراقية ، بالنسبة لمعدل التصدير فان بامكانه ان يتعرقل بعدة مشاكل ، أما السعر فانه قد يهبط بشكل حاد دون سعر 56 دولاراً التي بنيت على اساسه الميزانية." من جانب آخر تعكس الميزانية أيضاً الضغوطات السياسية وتنافس الاولويات في حكومة العراق الهشة التي يفتقر رئيس وزرائها ، عادل عبد المهدي ، الى قاعدة صلبة من الدعم والذي بقت كابينة وزارته غير مكتملة لحد الآن منذ أكثر من ثمانية أشهر على الانتخابات. عمر النداوي ، محلل عراقي ومدير مكتب العراق لمؤسسة غرايفون بارتنرس للاستشارات ، قال " النتيجة أبعد ما تكون عن الكفاءة . إنها ميزانية كبيرة بحجم انفاقها وكبيرة بعجزها ولكنها صغيرة بتخصيصاتها الاستثمارية . وليس فيها أية وعود تخص احتياجات الإصلاحات الاقتصادية للبلد . الانفاقات التشغيلية التي تخص الرواتب ستأكل الجزء الأكبر من الميزانية بحدود 75% من حجمها مقابل نسبة 25% فقط للاستثمار."
أحد الاصلاحات الاقتصادية الضرورية تكمن في تقديم دعم أكبر لمشاريع القطاع الخاص غير النفطية وذلك من أجل تنويع مصادر قوة الاقتصاد ، مع ضرورة وجود اجراءات تجارية شفافة لتسهيل الاستثمار ، والأهم من ذلك كله هو تكريس الجهود لمحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة ومحاسبة المتورطين . منظمة الشفافية الدولية أدرجت العراق في مؤشرها السنوي لعام 2018 بالتسلسل 168 متذيلاً قائمة أكثر البلدان فساداً في العالم من مجموع 180 بلداً.
من جانب آخر قال ، النداوي ، بان الميزانية اختارت مجالات قليلة يكون الانفاق فيها ذو مردود فعال تجاه تحفيز النمو الاقتصادي مستقبلاً ، مشيراً الى تخصيصات كبيرة لقطاع الكهرباء وتخصيص ما يقارب من 340 مليون دولار لمشروع ميناء كبير في البصرة.
مدينة البصرة التي ابتليت بالفقر ونقص الخدمات العامة الأساسية بضمنها الكهرباء والمياه النظيفة ، اندلعت فيها احتجاجات عنيفة الصيف الماضي تخللتها هجمات على عدد من الابنية الحكومية والقنصليات الاجنبية بضمنها القنصلية الاميركية والإيرانية.
أحمد طبقجلي ، مستثمر وزميل غير مقيم لدى الجامعة الاميركية في السليمانية ، من أهالي بغداد كتب عن الميزانية في تقرير له الاسبوع الماضي قائلا " الافتقار الى الانفاق في مجال الاستثمار وخصوصاً في مشاريع البنى التحتية غير النفطية هو أمر مقلق حقاً . على الرغم من الوعود التي قطعتها النخبة السياسية على نفسها لإعادة إعمار الموصل وبنائها مع بقية المدن والمناطق المتضررة ، فان الأرقام المخصصة في الميزانية لهذا الغرض تشير عكس ذلك تماماً ." الديمقراطية الهشة للبلد تستمر بمواجهتها تهديدات من جيوب نشطة مازالت باقية من مسلحي داعش ، وكذلك فان الخدمات الأساسية في أحسن احوالها لا يعتمد عليها في مناطق واسعة من البلاد مع بقاء المهجرين داخليا بحدود اكثر من مليون شخص لم يعودا الى مناطقهم الأصلية . بدون إصلاحات مكرسة واستثمار في مجال تنوع المصادر الاقتصادية ، فإن خبراء محليون يخشون من أن تعرض العراق الهائل لصدمات نفطية سيستمر بتركه عرضة لحالة جديدة من عدم استقرار واضطراب اجتماعي.
عن موقع سي ان بي سي الاقتصادي الأميركي