اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بعبارة أخرى: آدمي يمشي على رأسه!!

بعبارة أخرى: آدمي يمشي على رأسه!!

نشر في: 4 فبراير, 2019: 07:00 م

 علي رياح

في واحدة من فترات الركود أو الجمود أو شح الإنجاز الكروي العراقي، وضع الكاتب الكبير الراحل شاكر إسماعيل هذه العنوان متصدّراً مقاله الشهير الذي وصف فيه كل مظاهر الداء الكروي العراقي .. ولم يبخل، بصراحته المعهودة وقلمه الفصيح اللامع، في وصف النكبات في مسمياتها، كما أدان كثيراً من ممارسات العمل الكروي آنذاك!
عُدت أمس إلى خزيني الأرشيفي لأعيد قراءة هذا المقال التاريخي الفذ، وهالني أن أصل إلى استنتاجات عجيبة حين أضع وجهين للمقارنة بين الزمن الذي كتب فيه شاكر إسماعيل هذا المقال وتحديداً عام 1975، وبين الزمن الذي نعيشه الآن وتطغى فيه كلمات (إخفاق وهبوط وتراجع) على كل مردودنا الكروي في البطولات الخارجية، باستثناء ما يتحقق لنا في بطولات الفئات العمرية من إنجازات مضروبة من أساسها لرأسها!!
تخيّلوا أن المقال يتحدث عن زمن كان لنا فيه دوري مستقر ومنظم يتميّز فيه نصف عدد الأندية المشاركة على الأقل بالأداء الرائع الذي يجتذب الجماهير.. زمن كان فيه اللاعب العراقي على جانب كبير من الإلتزام والانضباط ولا يملك إلا الطاعة العمياء للقوانين والأنظمة والضوابط والأوامر، حتى ما يراه تعسفياً في قرارة نفسه.. زمن كانت فيه الكرة العراقية موضع الثقة في الداخل والخارج، فما أن يحطَّ منتخب أو ناد الرحال في بغداد حتى يتمّ المهمة ويغادر ليعقبه فريق زائر آخر.. زمن لم نسمع فيه عن تمرّد للاعب أو مدرب أو إداري على ناديه أو على اتحاده، فواضح تماماً أن سلوكياتنا تستقيم حين تكون العصا إلى جوار الجزرة حتى في أدنى التفاصيل أهمية.. زمن لم يكن فيه تنظيم مسؤول عن اللعبة مثل اتحاد الكرة، قادراً على الانقسام على نفسه تبعاً للانتماءات والأهواء والمصالح، فهنالك دوماً رأس لا يتوانى أبداً في وضع الأمور في نصابها، ولا قيمة شخصية تعلو على المصلحة العامة!
الراحل شاكر إسماعيل كان ينتقد بحدّة ومرارة ما كان يراه واقعاً كروياً متردّياً، فيشبّه الكرة العراقية بالكائن الآدمي الذي يمشي على رأسه متوهّماً أنه يضع قدميه على المسار الصحيح، وهو وصف غاية في الجرأة، برغم أن الكرة العراقية كانت ميداناً تتحرّك فيه شخصيات وكفاءات رائعة ونادرة على المستويات كافة، لكنها في خاتمة المطاف لم تكن عصيّة على انتقاد صحفي من طراز شاكر اسماعيل!
اتتبّع المقال الذي مضت عليه أربع وأربعون سنة ، وعند كل منعطف فيه أتوقف عند سؤال موجع: ماذا لو كتبت مشيئة الله أن يعيش شاكر إسماعيل بين ظهرانينا اليوم ليرى العجب العجاب في كل مفاصل الكرة، بل الرياضة العراقية؟!
لا أملك القدرة على تخمين ردّة فعله، لكن من مثله سيصاب بالجنون، وهو يعيش مثل هذا الانفلات الذي تضيع فيه خطواتنا، ولا تسير فيه الكرة – الكائن على رأسها فقط، وإنما لا تملك أيضاً أية قدرة على السير خطوة واحدة في أي اتجاه!
في كرة القدم، كما في جوانب كثيرة أخرى صرنا نتحسّر على الماضي الذي كنا ننقده على الملأ أو حتى في دخائل أنفسنا.. ومع كل إخفاقة وتراجع مرير، ومع كل مشكلة، نتساءل عمّا يدّخره الغد لهذا الكائن الذي يصفه واحد من شيخ النقد الكروي بأنه يسير على رأسه تعبيراً عن الاعوجاج المزري والأوضاع المعكوسة، ولم يكن ليتصوّر حتماً أن هذا الكائن أصابه بعد ذلك الكثير الكثير من التشويه، مرّة من دون قصد، ومرات عن سابق نية وتعمد وتقصّد!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram