adnan.h@almadapaper.net
عدنان حسين
ليس الفساد الإداري والمالي في العراق مجرد ظاهرة.. صار الآن، بقوة أحزاب الإسلام السياسي المُمسكة بمصادر السلطة والنفوذ والمال، وباءً يشبه كثيراً الأوبئة التي كانت تجتاح البلاد في العهود الغابرة، كالكوليرا والطاعون والجدري، التي تطلّبت جهوداً وطنية ودولية واسعة النطاق ومتواصلة لمواجهتها وردّ اخطارها. وباء الفساد لا يمكن مواجهته إلا بجهود مماثلة.
أكثر ما يثير الخشية والقلق أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي أعاد تأسيس مجلس أعلى لمكافحة الفساد ويعقد له اجتماعات دورية، سيمضي سنواته الأربع مستغرقاً في الحديث عن هذا الموضوع في الاجتماعات وسواها من اللقاءات العامة والخاصة لنجد في نهاية المطاف أنه كان كمن يبحث عن إبرة في بيدر قش بمساحة العراق!. إذا حصلت نتيجة كهذه يتحوّل الفساد يومها الى مرض مزمن غير قابل للشفاء أبداً بفضل القيّمين عليه الذين هم قيّمون على الدولة والمجتمع.
من أهم لوازم مكافحة الفساد وشروطها اعتماد الشفافية...الشفافية لا تعني القول بأننا مصمّمون على المكافحة، وإحالة عدد من القضايا الى القضاء. الشفافية تعني أن تصبح كل وزارة ومؤسسة ودائرة كتاباً مفتوحاً، يستطيع كل شخص أن يعرف ماذا تفعل هذه الوزارة أو المؤسسة وكيف تفعل ما تفعل وما الذي تُنفقه من مال مخصّص الى مشاريعها، ويكون هذا متاحاً للجميع.. الناس العاديين والموظفين والإعلام.هذا بدوره يتطلّب تشريع قوانين تُلزم الوزراء ورؤساء المؤسسات والمدراء بإصدار أنظمة تحقّق هذه الغاية. وقبل هذا يتطلّب تشريع قانون حرية الوصول الى المعلومة وحرية نشر المعلومة الذي لم نزل نحن الإعلاميين نطالب به على مدار الساعة منذ أكثر من عشر سنين.
ليس هناك من دولة ديمقراطية في العالم لا يوجد فيها قانون كهذا، وكل الدول التي يتراجع فيها مستوى الفساد الإداري والمالي تتمتّع مجتمعاتها بقانون حرية الوصول إلى المعلومات وحرية بثّها.
لا يمكن المشي طبيعياً على قدم واحدة.. مكافحة الفساد ليس بالمقدور الدفع بها الى الأمام من دون الشفافية التي لا تتحقّق بمعزل عن قانون يضمن حرية الوصول للمعلومات وحرية تدفّقها.
أمام مجلس النواب منذ سنوات قانون مقترح في هذا الخصوص، لم يسمح الفاسدون بتمريره في الدورات السابقة.. الدورة الحالية لا تبشّر بخير هي الأخرى على هذا الصعيد وغيره، فالواضح أن الفاسدين قد تزايد عددهم وتقوّى نفوذهم هذه المرة ، وإدارة هذا المجلس أضعف هي ايضاً من سابقاتها، وربما أقل إرادة في مكافحة الفساد وتحقيق مطامح الناس الأخرى. كتلة الإصلاح والإعمار التي أعلنت نفسها الكتلة الاكبر ووعدت بالكثير لم يعد مُعوّلاً عليها في الواقع.. المجلس كلّه ليس معوّلاً عليه بتركيبته الحالية وإدارته الحالية، فالمحاصصة والمغانمة مازالتا العنوان الرئيس لعمل هذا المجلس والمسؤولين عنه والذين يديرونه من وراء الحُجب، كما سوابقه.
هذا ما يتعيّن أّن يعرفه عبد المهدي ليختطّ طريقاً مناسبة لبلوغ هدف المكافحة، إنْ كان جادّاً في تحقيقه.