علي حسين
كان الصحفي الراحل شمران الياسري " أبو كاطع " يعطي دائماً مثلاً للإنسان الباحث عن نقطة بيضاء في أيام حالكة السواد ، ونحن في هذه البلاد التي يسخر مسؤولوها من فتاة مسيحية متفوقة في دراستها ويرفضون تعيينها بسبب كونها كفيفة ، نعيش مع ساسة مصابين بعمى البصر والبصيرة ، ففي خبر مثير للاشمئزاز اعترضت اللجنة الطبية في وزارة الصحة على تعيين مينا رغيد عسكرالفتاة رغم حصولها على المركز الاول على جامعة الموصل ، والسبب كما تقول اللجنة إن القانون لا يسمح للمكفوفين بالعمل في مؤسسات الدولة ، رغم إن هذا القانون نفسه وقف مكتوف الأيدي أمام مسؤولين تربعوا على كراسيّ الحكم وهم يعانون من عمى الضمير والمسؤولية ، ولهذا يحقّ لكاتب مثلي البحث عن الدول المتصالحة مع نفسها ،كما حال السويد التي أصر ملكها كارل غوستاف إلى توجيه دعوة شخصية للطالبة العراقية أماني محمد لحضور عشاء توزيع جوائز نوبل للعلوم، وأن تجلس الى المائدة التي يجلس عليها مشاهير العالم ، فقط لأنها متفوقة وحصلت على درجات متميزة أثناء دراستها ، مما لفت انتباه وسائل الإعلام السويدية ، فيما وسائل إعلامنا لاتزال مشغولة البال بالنجم "بهاء الأعرجي " الذي اكتشف للأسف أنّ نوري المالكي " كان رئيس وزراء ناجحاً في ملفات كثيرة " ، أما لماذا كان يهاجمه آنذاك فالسبب يتعلق بتوجهات الكتلة الحزبية التي كان ينتمي إليها الأعرجي كما يقول ، ولم يكتف الأعرجي بهذ ا الفصل من المسرحية ،وإنما يكمله بمشهد مثير حين يقول إن ثلاث كتل سياسية كانت تتسابق لكسب رضاه وانضمامه اليها في الانتخابات الاخيرة وهي دولة القانون والوطنية والتيار الصدري ! لكنه " والحمد لله " جنبنا "البلوى" وقرر أن يبقى متفرجاً .
الكبار يتركون أثراً ومواقف وأفكاراً لا تنسى ، ولهذا استشهدت في بداية المقال بـ" أبو كاطع " المواطن العراقي الصالح ، الذي عاش حياته صلباً مرفوع الرأس والقامة ، فقيراً ، كريماً ، سعيداً ، متواضعاً ، عالي الهمة والكبرياء ، صارع الحياة لا لكسب شخصي ، وإنما من أجل حلم بحياة جديدة لهذا الوطن الذي كان يفهمه على انه يمنح مواطنيه الحرية والكرامة والعدالة ، فإذا بنا نعيش في وطن قضى فيه ساسته على آمال وأحلام الناس وداسوا على كرامتهم ، ومحزن أن نرى اليوم البلاد التي حلم فيها " أبو كاطع " تتحوّل إلى جمهوريات حزبية ، ترفع أكثر من علَم ويتغنّى مسؤولوها بأفضال دول الجوار ..وصارت القاعدة المعمولة في العراق ، إنّ مَن المكانة لأمثال بهاء الاعرجي ، أما مينا وأخواتها فمكانهم خيام المهجرين .