سامي عبد الحميد
2-2
الباليه الحديث مثل (كونسرتوماروكو) 1941 لبالانشاين هو رقص يتصف بجمالياته وبتوتراته الشكلية لمعماريته وصيغته المتعددة النغمات ولا علاقة لها بالدراما الإنسانية. الرقصات التي تمّ إبداعها في ألمانيا خلال العشرينيات من القرن العشرين من مثل فنانين أمثال (شليمز) غالباً ما كانت تجريبية بمرافقة موسيقى القرع أو موسيقى الجاز مع احتساب حركة الجسم والفضاء الذي يحتويه. مع إمكانات التعبير بواسطة ألوان الأزياء والإضاءة. على حافة الرقص الصرف بدون الموسيقى والرقص التجريدي مع الموسيقى يقع رقص الراقص (كننغهام) حيث يخلو تصميمه للرقص من أية قصة ويحتل استمرارية المكان والزمان نفسها كما هو حال الموسيقى عند أدائها ولكن بلا موسيقى.
إضافة إلى الرقص الصرف والرقص الدرامي هناك ما سمي (الرقص الشعري المفخم Imagistic) ويتصف بالمعاني وبعناصر الإخراج المسرحي وقد يعكس حياة الشخصيات والشخصيات أو حالة معينة ولكن بلا سرد ولا صراع درامي. ابدعت الراقصة الاميركية (ايزا دورا دنكن) الرقصات الشعرية الموظبة للموسيقى السمفونية التي تجسد الصفات العاطفية مثل الفرح أو الحزن. والكثير من رقصات افريقيا الغربية التقليدية التي تبدو لبصيرة الإنسان العربي كما لو كانت تجريدية أو انساقاً شكلية اتباعية تحمل معاني رمزية وتعبر عن أهداف روحية وأخلاقية. مثلاً هناك رقصة تختفي بالخصب أو بعصر جديد وقد تدعو للشفاء وضد الموت أو تعبر عن الحزن أو قد تجسد خصال الألهة والأسلاف في (بوتو) . يخلق مصممو الرقص أمثال (هيجياكاتا) صوراً بصرية مثيرة وثيمات روحية أو سايكولوجية بتقنيات التشويه الجسماني والأزياء الخيالية وصيغ الوجوه لأجسام باللون الابيض وبالاجهاد الفائق وبدون سرد حكائي أو تقديم شخصيات.
أواخر القرن الثامن عشر ألقى النقاش حول الرقص المسرحي الضوء على الرقص الصرف والدراما الراقصة وكان ما سميَّ (باليه الفعل) مركزاً للنقاش ويقصد بها رقصة البالية المدعومة بقصة. ودار النقاش حول إمكانية قيام الراقصين بأداء دراما مع سرد قوي خصوصاً في التراجيديا ولكن بدون كلمات وتمت التوصية باستخدام القصص والأساطير المشهورة لذلك الغرض. وكانت تلك (الباليه) قد أبدعها أولئك المصممون للرقص (الكوريوغرانر) لتكون دراما راقصة بمعنى أن يستخدموا تصميم الرقصات (كوريوغرافي) كأداة للبناء الدرامي وإضافة التمثيل الصامت (المايم) والرقص التعبيري لتصوير الأحداث وتجسيد الشخصيات واستمرت تلك الصيغة في باليه القرن التاسع عشر مع المجددين (فوكين) و(فردريك اشتون) والدراما النفسية لانطوني تيودور. حتى الباليه الامبراطوري الروسي في أواخر القرن التاسع عشر الذي انتقده المصلحون أمثال (فوكين) لكونه يكرس وقتاً طويلاً للتنوعات الزخرفية. وفي الرقص الحديث لمارثا غريهام تم ابتداع دراما سردية وفيها لمسات سايكولوجية وخصوصاً ما ظهر في رقصاتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين والمعتمدة على الأساطير الإغريقية.
ويقترب المسرح الراقص من الدراما الراقصة حيث إن الراقصين فيها يتجهون في أدائهم نحو مسرح الرقص أكثر من اتجاههم نحو مسرح الجسد أو المزج بين تقنيات المسرح وتقنيات الرقص. تيهمن الحركة وبالاضافة إلى تصميمها كرقص فإن الأحداث فيها توصف بواسطة الكلمات وبالبناء الدرامي ويتضمن مسرح الرقص في القرن العشرين وفي ألمانيا بالذات تقنيات رقص ما بعد الحداثة وشيء من الرقص الحديث.
رغم أن الرقص والدراما من الفنون الشقيقة فأن التأكيد في الأول يقع على الحس البصري بينما يقع في الثاني على الحس السمعي. وغالباً ما يلتقي الحِسّان.