طالب عبد العزيز
ما كنت لأتصور أحوال العرب في مدينة المحمرة بايران، لولا أنني دخلتها زائراً لبعض الاصدقاء، ولن أجعل من تنسيق ونظافة الشوارع وانضباط الامن وحياة الناس في اسواق المحمرة وعبادان معياراً بين ما هو مستهجن ومستغرب في أوضاع البصرة، ابداً، إذ، انَّ مقارنة مثل هذه لا تبدو معقولة، لكنني، سأنصرف الى الحياة، في القرى والقصبات التي يقطنها العرب بخاصة، والتي لا يفصلها عن البصرة سوى شط العرب، هذه المناطق التي تتداخل فيها الانساب وتشتبك الاصلاب وحيث يتزاور الأهل والأصدقاء، ويتصلون ببعضهم البعض عبر الهاتف وشبكات التواصل بشكل شبه يومي.
كانت الطريق التي أخذتها الى إحدى القرى معبدة بالاسفلت، نظيفة جداً، وخالية من الحفر، وهي مشجّرة في أمكنة كثيرة، وعلى الانهار جسور جميلة، والهدوء علامة فارقة في الامكنة تلك، لكنَّ هيئات غالبية الناس لم تك كذلك، هنالك فوضى في ارتداء الملابس، وفوضى في السلوك اليومي، ربما القطت البطالة بظلالها على حياتهم، مع ان منازل الكثير منهم هي بمستوى المعقول، فالمباني من الطوب والاسمنت والحديد، ويملك غالبية ساكنيها سيارات واجهزة كهربائية حديثة، وهناك باصات نقل عام تصل المدينة بالقرى تلك، وشبكة مياه عذبة جداً، كذلك مدت دوائر الطاقة انابيب الغاز للبيوت البعيدة، وهذا انطباع عام، يلاحظه كل زائر ويتوقف عنده كل باحث.
لكنني، أبحث في العوز والفقر الذي تعاني منه بعض الاسر، فأجد أن كثيرين منهم بلا عمل، وبتعليم لا يكاد يُفهم منه شيء، اللغة الفارسية هي لغة المدرسة والمؤسسة الحكومية، والعربية لغة البيوت والتجمعات السكانية، وأبحث في اسباب عدم اقبال الطلاب على المدرسة فأجد أن اللغة الفارسية هي (العائق) فالناس في البيت والمضيف لا يريدونها، يقولون بانها لغة المحتل، وهناك، محطة تلفزيون باسم(أحوازنا) تبث من الدنمرك، وتديرها أموال سعودية، تسهب في الحديث عن الثورة، وعن التحرير، مذيع بيشماغ أحمر يبشرهم بقرب الانتصار، وهم مستمعون له، لكنني، أبحث في ذلك، فأجد أنَّ البعض القليل الواعي منهم قد ذهب الى المدرسة، وتعلم وتدرج في التعليم وصار موظفاً، وبدأ يعرف حقيقة مجتمعه العميقة، وهو مؤمن بان العزوف عن التعليم باللغة الفارسية مضرة بانسانه.
تفتك الحشيشة بالشباب والكبار على حد سواء. البطالة والامية تقودان الى تبرير انهاك الجسد بالترياق، ومن ثم المضي في طريق الادمان والمرض والجريمة، هناك من يحتج على (الاحتلال) بالجهل والحشيشة. يعبر(ف. ح) شط العرب بقارب من جهة ابي الخصيب، حاملاً نصف كيلوغرام من الحشيش، فتلقي الشرطة العراقية القبض عليه، ويحاول الفكاك منها لكنه يعجز، ليست هذه هي المرة الأولى التي تلقي السلطات العراقية القبض عليه، فقد سبق له السجن سنة هنا، في البصرة، لكنه يعاود، لأنه لا يملك جواز سفر، فقد احتجزت السلطات في طهران جوازه، بسبب متاجرته بالحشيشة، لذا توجب عليه مراجعتها، لكنه لا يفكر بالعواقب.
لا يمكن تبرئة حكومة طهران مما يحدث للناس هناك، لأنها تمارس تعسفا لغوياً واضحاً بحق السكان العرب، مثلما لا يمكن ايجاد العذر لهؤلاء، في استمراء الامّية، وترك المدارس ومن ثم الادمان والبطالة. عملاء الخارج من عرب الخليج متهمون أيضاً، فهم يغذون نعرة قومية سخيفة، ويعمقون من مفاهيم بالية، باتت بلا معنى اليوم، مثل التحرير وإقامة الدولة العربية. حريٌّ بالعالم التنّبه لما يحدث في المحمرة وعبادان والأحواز، الكل مسؤول عن الضياع هذا.