عدوية الهلالي
في اليوم الأول للدوام المدرسي بعد انتهاء العطلة الربيعية ، عاد الطلبة الى منازلهم بعد اكتشافهم أن ماسمعوه عن نية المعلمين بالإضراب العام صحيح ، وإن الإضراب بدأ بالفعل وسيستمر لمدة يومين ..ربما هي المرة الأولى التي يقف فيها الكادر التعليمي في عموم العراق مثل هذه الوقفة بدعوة من نقابة المعلمين والهدف من ذلك تنفيذ عدة مطالب لهم ، بعضها واقعي ويمكن تحقيقه والبعض الآخر يبدو تعجيزياً كالقضاء على الفساد في مجال التعليم والقضاء على الأميّة وتعيين المحاضرين الذين يعملون بشكل مجاني فضلاً عن مطالب أخرى كرفع المستوى المعيشي للمعلم والمدرس والحصول على قطع أراض وصرف أجور للمشرف التربوي وإعادة الهيبة للمعلم وما الى ذلك..
كان رد الفعل على الاضراب من وزارة التربية صادماً إذ اعلنت عن رفضها للاضراب وضرورة عودة الطلبة الى مقاعدهم الدراسية كما أخلت مسؤوليتها عن تنفيذ مطالب المعلمين أو تأييدها وألقت بالكرة في ملعب الحكومة ..لكن مطالب المعلمين لم تتلخص في المطالبة بمستحقاتهم بل بإصلاح العملية التربوية وتغيير المناهج ورفع كفاءة الكوادر التعليمية وإعادة بناء المدارس المدمرة وزيادة حجم الكادر التعليمي ومحاربة الامّية وكشف ملفات الفساد في مجال التعليم وإبعاد الوزارة عن المحاصصة وغير ذلك من مطالب لها مساس مباشر بوزارة التربية ، فهي الواجهة التي يجب أن تنهض بالتعليم العراقي الذي هبط مستواه الى درجات مخجلة بالقياس الى المستويات العربية والعالمية ، لهذا السبب نرى بأن مطالب المعلمين ربما تكون تعجيزية لأن المحاصصة قائمة ولم تتمكن حكومة عادل عبد المهدي من مواجهتها والقضاء عليها وملفات الفساد التي تخص وزارة التربية لن تجد من يفتحها بشكل جدي للقضاء على الأذرع الطويلة التي تديرها ، كما أن عملية اصلاح التعليم لن تتم في ليلة وضحاها مالم تتصدى الوزارة ذاتها بخبرائها وأساتذتها المتخصصين لوضع أسس جديدة للمناهج الدراسية وأسلوب التدريس والاشراف بشكل حقيقي وفاعل على سير العملية التعليمية والتربوية فضلاً عن إعادة هيبة المعلم من خلال تحسين وضعه المعيشي ليتجنب اللجوء الى التدريس الخصوصي الذي أزال حاجز الاحترام غالباً بين الطالب والمدرس لأن حاجة المعلم الى مايمنحه له الطالب من مورد معيشي يرغمه على تحمل إهمال الطالب وسلوكياته الخاطئة وتعامله مع معلميه بلامبالاة وعدم احترامهم أحياناً ، كما أن لجوءه الى التدريس الخصوصي ينعكس غالباً على مستوى تدريسه للطلبة في المدرسة فلا يبذل كل جهده مع الطلبة لأن اهتمامه الأكبر ينصب على من يدفع له المال ويفتح له باب رزق لم تعد الوظيفة وحدها كافية لفتحه على سعته ..
لكل هذه الأسباب وغيرها ،، أجد أن خطوة الاضراب على مافيها من شجاعة ورغبة جادة في تغيير الواقع التعليمي والتربوي ، لن تجد ردود فعل مشجعة ولن تحظى بحلول جذرية رغم كونها فرصة جيدة للحكومة لتضع حجراً في أساس التغيير والإصلاح بمحاولة إزالة الشوائب التي علقت بالعملية التربوية في العراق وحوّلت المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً الى مواطن يطالب بأبسط حقوقه وحقوق طلبته..