علاء المفرجي
مقاربة ذكية تلك التي صنعها المخرج الشاب ملاك عبد علي في فيلمه الأخير (الرسالة الأخيرة)، بين مأساوية حياة الكاتبة الانكليزية فيرجينا وولف وحياة بطلة فيلمه الممثلة التي تعيش في مطحنة الحروب، ذلك إنه أسقط سيرة وولف، وبالتحديد قضية انتحارها، بمصير هذه الممثلة.
وملاك عبد علي وإن اشتغل على موضوعات الحرب وتداعياتها السلبية مثّل أبناء جيله، إلا إنه تميز عنهم بقراءته المتأنّية لهذه الحدث الكبير أعني الحرب، من زاوية أن الحرب ليست مايحدث في ميدان القتال من إزهاق أرواح فحسب، بل هي ما تتركه من أثر ومن صدى.. ففي أكثرأفلام هذا المخرج القصيرة مثل: كاسيت، وأسمي مريم، وسلايد، لايتناول تفاصيل الحرب وأثرها المدمّر قدر ما يتناول، تداعياتها وأثارها على المدى البعيد.. ولم يعتمد كأقرانه قراءة النشرات الاخبارية للفضائيات وتضمينها في أفلامهم لدرجة الملل.
الفيلم يبدأ بشخصية البطلة ذات الثلاثين عاماً تقف على ضفة النهر، متزوجة ، تعمل ممثلة مسرح وهي في الاستوديو لعمل اختبار ( كاستنغ ) لأحد الأفلام ، تحمل في يديها كتاب سيرة حياة ( فرجينيا وولف )، ثم في مشهد آخر وهي واقفة أمام شباك الاستوديو تنظر الى الشارع وحركة السيارات .. والحزن باديٌ على وجهها وصوتها، تردد جملاً : الحب مات ، الحلم مات ، كل شي بهذه المدينة بدأ يتغير، حياتي صارت صعبة، الحرب أكلت كل شيء.... لننتقل الى الاستوديو حيث تقف أمام المخرج والكاميرا، لتسجل اختبارها بمشهد ليس سوى رسالة انتحار الكاتبة فيرجينا وولف التي كتبتها قبل انتحارها:
لقد عدت الى جنوني مرة أخرى ،ولا أظن إننا بأمكاننا النجاة مجدداً من تلك الأوقات السيئة، أنا لن أتعافى هذه المرة ،أصبحت أسمع أصواتاً كثيرة داخل رأسي ، ولم أعد قادرةً على التركيز ، لذلك سأفعل الأفضل لكلينا ،لا أظن إنه من المعقول لاثنين أن يصبحا أكثر سعادة منا ، حتى أصابني هذا المرض اللعين ، لا أستطيع القتال أكثر ، أعلم إنني أفسد عليك حياتك إنني أخسر كل شي، لا أستطيع الاستمرار في إفساد حياتك ، هذا يكفي ، لايمكن لشخصين أن يكونا أكثر سعادة مما كنا عليه.
تقرأها الممثلة وكأنها تُرثي نفسها، ويبدو إنها اختارت رسالة فيرجينا وولف التي كانت حياتها سلسلة من الإنتكاسات النفسية، فقد كانت تعاني من الاكتئاب الهوسي، فاختارتها لأنها تعاني المأساة نفسها فهي تعيش في أزمة نفسية وانهيارات متتالية بسبب عقمها، وكان اختيار المخرج لوولف – لفتة ذكية - لا تخرج عن السبب نفسه، ففرجينا وولف تفاقمت حالتها بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتدمير منزلها في لندن، وهو حال بطلة فيلم الرسالة الأخيرة (صفا نجم).. وهذه المقاربة تحسب للمخرج، فقد أقنع المشاهد بجدواها خاصة مع الاداء الجيد لبطلة الفيلم.. حيث تماهت صورتا وولف والبطلة في ذهن البطلة وربما في ذهن المخرج بشكل كبير، فقد كان مشهد انتحار (صفا) وهي تدخل الى النهر بينما تترك خاتم زواجها معلقاً في شجرة قرب النهر. يماثل غرق وولف عندما توجهت الى النهر تاركة (عصاها) على ضفة النهر.
ليختتم الفيلم بـ" تايتل" يتضمن معلومة عن الحروب التي مر بها العراق خلال ٣٥ عاماً وتأثيراتها على الإنجاب بالنسبة للمرأة العراقية، وسؤال كبير هو (من يصدق أن الحرب انتهت). المخرج كان مقتصدا في أدواته وتعمّد أن تناسب الإضاءة الحالة النفسية للبطلة والتي يرتكز عليها موضوع الفيلم.