طالب عبد العزيز
مَنْ يتقصى حركة الأسر البصرية في شارع(المشاتل سابقاً- الوفود حالياً) وهم يتبضعون الأشجار والورود، ومستلزمات حدائقهم المنزلية، ينتهي الى إن روح المدينة ما زالت حية، تنبض بكل ما هو جميل، ولعل زيارة واحدة للمشاتل، قبيل مغرب كل يوم، ستقول أشياء كثيرة، في المدينة التي أريد لها أن تموت متصحرة وباكية ونادبة ، وما هي كذلك والله.
أمس، صحبة أصدقاء، كنا قد أمضينا أكثر من ساعتين، متجولين، في حدائق (مشتل الفارس) صاحب التجربة الرائدة في استزراع أعداد كثيرة، من الورود والأشجار والنباتات المثمرة وغير المثمرة، الظلية وغير ذلك، وهم يستعدون للربيع، الذي يأمل سكان المدينة أن يكون أطول، وأن لا يعاود الماء المالح ثانية الى أنهارهم، في كرنفال يعيد لنا أمجاد المدينة، يوم كانت مشتى العراقيين، والمنتجع الجميل لسكان دولتي الكويت والسعودية.
الفساد المالي والإداري غيّر من شارع المشاتل، فقد لعبت قوى النفوذ السياسي والقبلي في جغرافيا الشارع، وجعلت منه شارعاً للكازينوهات والقاعات والمطاعم، ولم يبق من جملة المشاتل الزراعية إلا ثلاثة أو أربعة، ولم تفلح جهود لجان رفع التجاوزات إلا نادراً في حماية المكان، الذي يوصف بأنه منتجع وواحة مستقطعة من الجسد المبتلى بالخراب والنفايات للمدينة، التي مازال عزرائيل الماء المالح يهدد مستقبلها الأخضر، على الرغم من الوعود الرومانسية التي تطلقها وزارة الموارد المائية، والقائلة بأن صيف العام 2019 سيكون رطباً، مفعماً بالماء الحلو، القادم من الخزين الهائل، المحصور في سد الموصل والسدود العراقية في أعالي النهرين.
من يقف على حركة الأسر، وهي تتبضع الورد وأشجار التوت والرمان والتين والحمضيات، وهي تنتقي الجميل من الأكاسيا والقرنفل والجيرانيوم والمينا والواشنطونيا والمطاط وأشجار الظل... سيفهم الروح البصرية الخضراء، التي تصر على أن تفرد في الحديقة، مهما صغرت، مساحة لزراعة نخلة البرحي، الحارسة الروحية، والحرز الأبدي لكل منزل، هذا الدأب الأزلي، الذي شكل العلامة الفارقة، لكل بيت بصري، لماذا لا يؤخذ بالحسبان، ولمصلحة من تصرُّ الحكومة على إهمالها لمشاريع الماء العذبة، ولماذا لا تجعل من المشاريع هذه عنواناً لبرامجها القادمة، أترى هي بحاجة دائمة الى تظاهرات صيفية، يذهب ضحيتها الأبرياء كل عام؟
كانت شركة الفارس قد تبرعت بتأهيل حديقة الطيران، وتشجير شارع المشاتل(الوفود) بالكامل وعلى حسابها الخاص، ومن يقف عند الحديقة المقابلة للمشتل، يلاحظ إنها الأجمل في تقاطعات البصرة، مع يقيننا بان العبقرية لا تعني تشجير حديقة وزراعة نخلة ، إنما (العبقرية) هي قيام البلدية بصيانتها الدورية للحدائق.
نعيد ما قلناه في مقال سابق ما قاله الكولونيل البريطاني، سنة 1916 للملاكين والفلاحين البصريين ذات يوم:" مدينتكم جميلة، فيها أنهار كثيرة، أنصحكم بزراعة أشجار الدفلى، إغرسورها على ضفاف أنهاركم، ستبدو مدينتكم أجمل" شخصياً، لاحظت انَّ شجرة الدفلى، شجرة مزهرة بألوان ثلاثة أو أربعة، طوال السنة، وتتحمل الماء قليل الملوحة، فضلاً عن كونها رخيصة وتعيش عقوداً طويلة.