ترجمة حامد أحمد
العلاقة بين الاستقرار الاجتماعي وما يتعلق بالتغير البيئي المناخي في العراق يعود لعقود مضت من السنين . أحد الأمثلة على ذلك ما تعرضت له منطقة أهوار جنوبي العراق من عمليات تجفيف على يد النظام السابق في حقبة التسعينيات ،هذه السياسة المثيرة للجدل لم تسبب فقط أزمة انسانية لساكني مناطق الأهوار ولكنها فاقمت ايضاً ندرة المياه في جنوبي العراق . وازدادت المشكلة سوءاً مع بدء حرب العراق عام 2003
وجاء في تقرير أعدّه برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة عن تقديرات التأثير البيئي على العراق لما بعد عام 2003 إنه " خلال العقد الماضي تدهورت منظومة توزيع المياه بشكل كبير ومتواصل والسبب الرئيس في ذلك يعود الى الافتقار الى قطع الغيار وغياب عمليات الصيانة . وولد ذلك كحصيلة نقصان في كمية المياه المتوفرة للتوزيع دون أكثر من النصف وان غالبية ما كان متوفر من موارد لم يصل المستهلك الأخير بسبب عوامل تسرب المياه . بالاضافة الى ذلك ، فان الأنهر التي يعتمد عليها أغلب العراقيين في حصولهم على الماء قد تعرضت للتلوث بشكل متزايد بسبب مياه صرف صحي غير معالجة مع عدم قدرة محطات تصفية وتنقية المياه العمل بشكل صحيح بسبب العطلات فيها وعدم صيانتها ."
التصحر والجفاف الذي أثر على 90% من اراضي العراق فاقم من عواقب الإدارة غير الكفؤة لموارد المياه في أعقاب الحرب . المزارعين في مناطق العراق الزراعية وحافاته وجدوا انفسهم بدون الدعم الذي هم بحاجة اليه للحفاظ على مشاريعهم.
الامر ازداد سوءاً عام 2014 مع دخول مسلحي داعش لمناطق واسعة من العراق وسيطرته على أراض زراعية واسعة في مناطق شمالي وشرقي العراق التي تعتبر من أهم المناطق الزراعية في البلد مما أجبر ذلك العراق على استيراد 70% من احتياجاته من المحاصيل الزراعية و الغذائية وذلك لحد أواخر عام 2017 وهي السنة التي تعرض فيها تنظيم داعش للهزيمة في معركة الموصل.
وجاء في تقرير أعده المعهد الهولندي للعلاقات الدولية ، إن لموارد المياه في العراق دوراً حيوياً في تحقيق الاستقرار الأمني والاجتماعي في البلد وكانت وفرة وندرة المياه لها علاقة دائمية بهذا الجانب . أزمة المياه لها تأثير في تقليل كمية الانتاج الزراعي والغذائي وتؤثر أيضاً على تجهيزات الطاقة الكهربائية في البلد وتساهم في توجه الكثير من الأهالي المعتمدين في حياتهم على الزراعة للتفكير بخيار الهجرة ، هذه الأمور جميعها تشكل تهديدات يكون سببها شح موارد المياه .
في أيلول عام 2018 اندلعت مظاهرات في البصرة احتجاجاً على شح مياه الشرب تحوّلت الى مواجهات شابها عنف خلال اشتباكات مع الاجهزة الأمنية . المجتمع الدولي من جانب اخر بإمكانه اتخاذ عدة خطوات لدعم العراق في معالجة أزمة ندرة المياه ومضاعفة الجهود الدولية بهذا الاتجاه ، وكمنظمة دولية لها دورها البناء في العراق فان الأمم المتحدة يجب أن تأخذ جانب الريادة في مساعدة العراق وضع خطة لمواجهة موضوع التغير المناخي المؤثر على البيئة ، ومن جانبها بإمكان الدول المتطورة ان تساهم في جهود الامم المتحدة في هذا المجال. هذه المهمة كان قد بوشر بها فعلاً . ففي العام 2015 أسس برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة صندوقاً لترسيخ الاستقرار لمساعدة العراق في إعادة تأهيل منظومات تنقية وتصريف المياه وبناء طرق وجسور وذلك في 31 موقعاً في مناطق تم تحريرها من سيطرة داعش في شرقي وشمالي البلاد.
وقال ، هوغو دي فيرس ، أخصائي مشاريع ترسيخ الاستقرار ضمن برنامج التنمية التابع للامم المتحدة ، متحدثاً عن ما قدمه صندوق الأمم المتحدة من خدمات " فيما يتعلق بالموصل ومن خلال خدمات صندوق برنامج التنيمة تم إبرام عقود مع القطاع الخاص المحلي في الموصل لإعادة بناء البنى التحتية من الاساس صعوداً وربط البيوت السكنية بأسرع وقت ممكن بشبكات الكهرباء والمياه ومجاري الصرف الصحي . مجاميع العمال المحليين يقومون بازالة انقاض وتاهيل البنايات العامة . عشرات الآلاف من أبناء الموصل يعملون على مبادرات ترسيخ الاستقرار ، بتلقيهم للتمويلات وانفاقها على أمور اساسية في السوق المحلية."
منذ العام 2004 عمل العراق وبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة على التنسيق فيما بينهما في مسألة مهمة وهي استعادة أهوار بلاد ما بين النهرين لسابق عهدها ، والذي يصفها برنامج البيئة على أنها أكبر منظومة مسطح مائي في الشرق الأوسط ، وذلك من خلال التمكين لتنمية مستدامة بدعم من ايطاليا واليابان . دول الخليج الغنية المجاورة للعراق بامكانها لعب دور في تمويل جانب التوسع لهذه الجهود.
الولايات المتحدة التي تعتبر حليفاً قوياً للعراق والتي ما يزال لها تواجد عسكري في البلد بإمكانها أن تتعاون معه في مجال الجانب العلمي من مسألة التغير المناخي والتاثير على موارد المياه في البلد ويمكن للمعنيين بهذا الجانب من الكادر العراقي أن يكون له ستراتيجية لمحاربة ظروف التغير المناخي ووضع خطط للمحافظة على الموارد المائية في البلد.
منظمات المجتمع المدني يجب أن يكون لها دور أيضاً للتوعية إزاء تاثير التغير المناخي على شح المياه . منظمات دولية غير حكومية وشركاؤها من العراقيين يتمتعان بالبنى التحتية الضرورية التي مضى عليها عقود من السنين للتخفيف من وطأة شح المياه في بعض المناطق النائية من العراق للحيلولة دون أن يؤثر ذلك سلباً على الاستقرار البيئي والاجتماعي في البلد. شركاء العراق وبالتعاون مع منظمات المجتمع الدولي كل هذه القوى بامكانها أن تسهم في رسم ستراتيجية لكبح تأثير شح المياه على الاستقرار البيئي والاجتماعي . على الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي أن يساعد العراق في مواجهة تحديات التغير المناخي لترسيخ الاستقرار في البلد.
عن موقع أوفزير السويسري