ثائر صالح
اعتدت الحديث عن المؤلفات والموسيقيات كثيراً، ليس فقط بمناسبة عيد المرأة بل في مناسبات أخرى. فقد احتكر الرجال الموسيقى لفترات طويلة ولا يزالون، رغم كل التقدم الذي حصل في مجال المساواة بين الرجل والمرأة. لذا على المرأة بذل الجهد مرات مضاعفة حتى تثبت قدراتها التي لا تقل عن قدرات الرجل في أي حقل من الحقول، رغم كل الخصوصيات البيولوجية التي تميز الجنسين.
اخترت كلارا شومان (1819 – 1896) هذا العام لسببين، الأول دورها الطليعي المتميز في تاريخ الموسيقى كونها مؤلفة موسيقية مبدعة وعازفة بيانو بارعة محترفة، والثاني هو الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لولادتها هذا العام (13 أيلول 1819). فكلارا كانت طفلة معجزة، بدأت تعلم البيانو في سنواتها الأولى بإشراف أبيها مدرس البيانو الشهير فريدريش فيك (1785 - 1873) وألفت أول أعمالها في سن مبكرة كذلك. وقد أجبرها أبوها على التمرين على البيانو لساعتين يومياً بعد دروسها الاعتيادية التي تضمنت دروس البيانو والكمان والغناء ونظرية الموسيقى والهارموني والتأليف والكونترابونت (العلاقة الهارمونية بين الأصوات في مسارات لحنية متوازية ومتزامنة)، بالإضافة الى دروس قليلة في اللغات واللاهوت.
برزت كلارا اليافعة كعازفة ماهرة متميزة، وقدمت حفلات موسيقية في العديد من المدن الأوروبية أمام الكثير من المشاهير والموسيقيين المعروفين مثل فرانس ليست (وهو بدوره يعد أهم عازف ومؤلف بيانو في القرن التاسع عشر)، وعزفت مع نيكولو باغانيني أشهر عازف كمان في وقته. وكانت بعمر الثالثة عشرة عندما بدأت بإداء الأعمال الموسيقية من الذاكرة، وتبعها العازفون الآخرون. هو تطور لافت يعكس مدى تخلف الشرق موسيقياً، فالتدوين في الشرق لم يبدأ بعد حتى يترسخ بحيث يعزف المؤلفون الأعمال الموسيقية بعد حفظ محتويات المدونة الموسيقية.
كان زواجها من روبرت شومان (الذي حملت اسمه حتى وفاتها) بحد ذاته مثالاً على قوة شخصيتها واستقلال إرادتها. فقد عارض الأب هذا الزواج (كان روبرت شومان تلميذه) بسبب عزمه على جعل ابنته أعظم عازفة بيانو في اوروبا. جاهد الحبيبان على مدى ثلاث سنوات، ووصل الأمر المحاكم قبل أن يتمكنا من الزواج.
أنجبت كلارا ثمانية أطفال لشومان الذي بدأ لاحقاً يعاني من أمراض نفسية (انظر: أصابع شومان، المدى 9/9/2017)، وكانت كلارا تعيل العائلة الكبيرة في السنوات الأخيرة قبل وفاة شومان، فكانت تنشط في العزف على البيانو في الحفلات وتدرس مادة البيانو. أن تكون المرأة صاحبة الدخل الأعلى في العائلة حالة نادرة بشكل عام، وكانت كلارا من هذه الاستثناءات. لكن من المؤسف تركت كلارا التأليف مبكراً رغم استمرارها كعازفة محترفة. كرست كل جهدها لنشر أعمال زوجها والتعريف بها بعد وفاته المبكرة، وكانت من يقدم أعمال صديق العائلة الحميم يوهانس برامز في العرض الأول لها (ولعلاقة برامز الشاب بكلارا وروبرت قصة تستحق الرواية لوحدها).
أصبحت أعمال كلارا مفضلة بين عازفات البيانو وفرق الموسيقى النسوية، وقد حضرت حفلاً قدمت فيه قائدة الاوركسترا الألمانية الشابة روت راينهارت كونشرتو البيانو في لا الصغير الرائعة مع فرقة مالمو السيمفونية وعازفة البيانو السويدية المعروفة فرانسسكا سكوغ. تخرجت راينهولت من جوليارد في نيويورك وعملت فترة مساعدة لقائد الاوركسترا الهولندي الأشهر جاب فو زفيدن على رأس فرقة دالاس السيمفونية وهي واحدة من جيل قائدات الاوركسترا الجديد.