إياد الصالحي
ما فتئ البعض ينكأ الجراح تلذّذاً بآلام الماضي وعطشاً لمزيد من جرعات كوز حقده كلما دنا الحديث عن مواقف أشخاص ارتبطوا بحدث أثار اللغط والريبة دون أن تظهر حقائق رصينة تبرّر تشبّث من أراد إيقاف عجلات الزمن التي دعست الحدث نفسه ولم تترك منه أثراً يستحق تتبّعه في سراب خياله!
عادت قصة المدرب عدنان حمد لتلوك بها ألسن أدمن أصحابها نبش الذاكرة واجترار الاتهامات وقد اعتادوا العيش في بيئة خانقة تَخلو من نوافذ التطلّع الى غدٍ مشمس يجمع أبناء العراق في بيت متسامح يقبل الكُل ولا يستثني فرداً مهما بلغ الخلاف معه حدّته.
الوطن لغيركم مثلما هو لكم، ليس من حقّكم أن تمارسوا الدور(شرطة الوطنية) لا .. لستم كذلك، أنتم لا تمتلكون قرارات قضائية تجرّموا بها الناس، فمن أنتم كي تحرّضوا وتخوّنوا وتهدّدوا، تأدّبوا بأخلاق عراقيتكم وأغلقوا أفواهكم، الأرض عِرض العراقيين، عليها وَلِدوا وفيها يُدفنون، فـأياكم أن تتوهّموا بأنكم أوصياء عليهم.
لم يمتلك عدنان حمد بُعيد النتائج المخيبة في كأس الخليج 17 في الدوحة عام 2004 أية رغبة في تدريب المنتخب الوطني حتى مساء الأحد العاشر من شباط عام 2008 أجريت اتصالاً معه طالباً أن ينتخي لوطنه بعدما تعثّر المدرب النرويجي إيغل أولسن في أول مباراة مع الصين في تصفيات مونديال 2010 وخرج متعادلاً (1-1) ووجّهتُ لحمد نقداً قاسياً الى الحد الذي شبّهت موقفه بالابن المتفرّج على تقهقر أبيه ولديه القدرة على فعل شيء له ويُكابر بأنانية أقرب الى العقوق، فرضي القبول بالمهمة مع ذات الكتيبة التي يعرف خباياها من خلال حديث صريح نشرته صحيفة المدى بالعدد 1152 يوم الثلاثاء 12 شباط 2008 مهّدتُ في بدايته بأن عدنان حمد يرفع حاجز التحفّظ، فأكد "لن أتخلى عن الأسود وأرغب في قيادتهم الى جنوب أفريقيا.. وأولسن سيتعب في فهم ثقافة اللاعبين" وبالفعل بعد ثلاثة عشر يوماً سمّى اتحاد الكرة عدنان حمد مدرباً للمنتخب يوم الإثنين 25 شباط 2008، وباشر مهمته برغم ارتباطه بتدريب نادي الفيصلي الأردني حتى نهاية أيار العام نفسه.
استقرّ المنتخب تحت قيادة حمد حتى مباراة قطر يوم الأحد 22 حزيران 2008 التي انتهت بهدف سيد بشير بالدقيقة 77 أقصت الأسود من تصفيات المونديال، وبدت الأمور سوداوية في عيون الجميع، ورتّب البعض أن تكون دبي هي المسرح المرتقب لتصفية الحساب مع حمد حيث مثل هذه الخسارة تترك معالجتها لاتحاد الكرة كما يعرف لأي منتخب يخرج من منافسة حاسمة، لكن ما حدث أن الهيئة المؤقتة لإدارة شؤون الرياضة برئاسة وزير الشباب والرياضة جاسم محمد جعفر قرّرت منع حمد من تدريب المنتخبات الوطنية مدى الحياة متى؟ بعد أربعة ايام فقط من انتهاء المباراة، حيث قرأ الناطق باسم الهيئة جزائر السهلاني بياناً برّر فيه العقوبة أنها ناتجة عن تحمّل حمد مسؤولية الخسارة وسيتم تشكيل لجنة تحقيقية للنظر في ملابسات ما جرى!
اليوم يحاول رئيس اللجنة التحقيقية (آنذاك) د.صباح محمد رضا أمين سر الاتحاد حالياً التعتيم عن الحقيقة هذه من خلال تركيز الانظار نحو التقرير الذي كتبه الزميل ضياء حسين منسق المنتخب في حينه حول شبهات العسل الملكي الذي تناوله بعض اللاعبين بانه وراء إصدار العقوبة ضد حمد، بينما الحقيقة أن توصيات أوراق التحقيق سلمها صباح الى الوزير جعفر ولم يتابع نتائجها لتختفي تماماً وتتمسّك الهيئة المؤقتة بقرار الحرمان مدى الحياة ولم ينبس أحد ببنت شفة حتى تحرّيتُ شخصياً في عامي 2015 و2017 عبر تقصّي أسباب ما جرى لحمد من رضا والسهلاني نفسيهما اللذين اتفقا في تصريحات رسمية نشرتها المدى بأن عقوبة حمد حددت بمدة خمس سنوات فقط وانتهت عام 2013 لكنهما اختلفا في قناة دجلة أمس الأول الجمعة حول مدى شرعية العقوبة من عدمها!
عشر سنوات هي مدة عمل عدنان حمد مدربا للمنتخبات العراقية في 14 مناسبة كروية، أشرف على 81 مباراة للمنتخبات، سُجل خلالها 167 هدفا لنا وهَزّت شباكنا 102 كرة، فزنا تحت قيادته بـ 43 مباراة وخسرنا 28 وتعادلنا في 10، وكل ذلك ضمن اجتهاده وخبرته بحسب ما يقدر عليه، فلِمَ كل هذا الصخب والتنكيل والتسقيط؟
عدنان حمد لم يأسف على خدمة وطنه قط، بل بعد مشاهدته حلقة أول من أمس في قناة دجلة أكد لي في رسالة صوتية عبر تطبيق واتساب أن لا عودة له للكرة العراقية لا مع المنتخبات ولا الاندية، وأنه يحظى بتقييم الناس في الدوحة وفي كل مدن العرب، ويشعر بالسعادة الكبيرة كمحلل في قناة (بي إن سبورت) لأنه قريب من الكرة ودروسها المهمة، لكن يبقى ابناً باراً للعراق الأب الكبير الذي يحمل شرف اسمه ويتبارك في نور عظمته مهما حاول الموتورون التعتيم عليه في اتهامات مختلقة.