شاكر لعيبي
زخّة وزخات مقرونة بالمطر لا توجد في معجم "لسان العرب". وإذا لم توجد مفردة القطار فيه بالمعنى الذي نفهمه اليوم، فالأمر مفهوم لأن القطار الحديث اختراع لم يكن موجوداً يومها في حين كانت توجد زخة المطر. نتحدث عن "لسان العرب" حصرياً.
بعض المعاني التي يشدّد عليها اللسان بشأن (زخخ) مقرونة بدلالة حسية، بل جنسية. ولكي نكون دقيقين فاللسان يمهّد للفعل زخخ بقوله: زخَّه يَزُخُّه زَخّاً: دفعه في وَهْدة. وزَخَّ في قفاه يِزُخُّ زَخّاً: دفع، وقال ابن دريد: كل دَفْع زَخٌّ؛ وفي حديث أَبي موسى الأَشعري أَنه قال: اتَّبِعُوا القرآنَ ولا يَتَّبِعَنَّكم القرآنُ، فإِنه من يَتَّبِعِ القرآنُ يَهْبِطْ به على رياضِ الجنَّةِ، ومَنْ يَزُخُّ في قفاه أَي يدفعه حتى يَقْذِفَ به في نار جهنم. وفي الحديث "مَثَلُ أَهلِ بيتي مَثَلْ سفينة نوح من تَخَلَّف عنها زُخَّ به في النار" أَي دُفِعَ ورُمِيَ. يقال: زَخَّه يَزُخُّه زَخّاً؛ ومنه حديث أَبي بَكْرَةَ ودُخُولِهم على معاوية قال: فَزَخَّ في أَقفائنا أَي دَفَعَنا وأخْرَجَنا.
ثم ينحدر المعجم مباشرة للفعل الجنسيّ:
زخَّ المرأَةَ يَزُخُّها زَخّاً وزَخْزَخَها: نكحها، وهو من ذلك لأَنه دفعٌ. والمَزَخَّة، بالفتح: المرأَة. وزَخَّةُ الإِنسان ومَزَخَّته ومِزَخَّته: امرأَته؛ وهو من الزَّخِّ الذي هو الدفع. وروي عن علي بن أَبي طالب، في الحديث أَنه قال:
أَفلحَ من كانت له مِزَخَّهْ - يَزُخُّها ثم ينامُ الفَخَّهْ
الفخة: أَن ينام فَيَنْفُخَ في نومه؛ أَراد ينام جتي يصير له فَخيخٌ أَي غطيط. والمزَخَّة، بالكسر: الزوجة، وروي مَزَخَّة، بنصب الميم، كأَنها موضع الزَّخِّ أَي الدفع فيها لأَنه يَزُخُّها أَي يجامعها، وسميت المرأَة مِزَخَّة لأَن الرجل يجامعها. وزَخَّتِ المرأَةُ بالماء تَزُخُّ وزَخَّتْه: دفعته. وامرأَة زَخَّاخة وزَخَّاء: تَزُخُّ عند الجماع.
وفي المقام الثالث من زخخ نأتي إلى معاني شتى ليس للمطر حصة من بينها:
زخَّ ببوله زَخّاً: دفع مثلَ ضَخَّ. والزَّخُّ: السُّرعة. وزخَّ الإِبلَ يَزُخُّها زَخّاً: ساقها سوقاً سريعاً واحْتَثَّها. والمِزَخُّ: السريع السَّوْق؛ قال: "إِنَّ عليك حادياً مِزَخَّا - أَعْجَمَ لا يُحْسِنُ إِلاَّ نَخَّا". والنَّخُّ لا يُبْقي لهنَّ مُخَّا. والزَّخُّ والنَّخُّ: السير العنيف؛ وفي حديث علي، كتب إِلي عثمان بن حُنيف "لا تأْخُذنَّ من الزُّخَّةِ والنُّخَّةِ شيئاً"؛ الزّخَّة: أَولاد الغنم لأَنها تُزَخُّ أَي تُساقُ وتدفع من ورائها، وإِنما لا تؤخذ منها الصدقة إِذا كانت منفردة، فإِذا كانت مع أُمهاتها اعتدّ بها في الصدقة ولا تؤخذ. ولعل مذهبه قد كان لا يأْخذ منها شيئاً؛ وربما وضَع الرجلُ مِسْحاتَه في وسط نهر ثم يَزُخُّ بنفسه أَي يَثِبُ. والزَّخُّ والزَّخَّةُ: الحِقْدُ والغيظ والغضب؛ قال صَخْر الغَيّ: "فلا تَقْعُدَنَّ على زَخَّةٍ - وتُضْمِرَ في القلبِ وَجْداً وخِيفَا". ويقال: زَخَّ الرجلُ زَخّاً إِذا اغتاظ. والزَّخِيخُ: النار، يمانية؛ وقيل: هي شدَّة بريق الجمر والحرّ والحَرِيرَ يَبْرُق من الثياب.
لا نعرف متى اقترن الزخ والزخات بالمطر (دائما بسبب عدم وجود معجم اشتقاقيّ تأريخيّ للعربية)، لكننا قد نستنتج أن مخيّلة كبيرة لاحقة قامت بهذا الربط، وقد سمحت بها الدلالة العريضة للزخّ، رغم ان زخات المطر ليست سريعة بالضرورة ولا عنيفة ولا دفعاً، ولا في وهدة.
زخّات المطر والحالة هذه تعبير يقع في الاستعارات الشعرية، المولودة من استخدام أصليّ مغاير. استعارة تنطلق من فكرة (الزخّ) الطقسيّ rituel، الصالح مفهومياً في ذاك الموضع الحميم القريب وهذا الجغرافيّ العام.
انتقال دلالات الطقوسيّ rituel من فضاءٍ لآخر هو فعل شعريّ.