إياد الصالحي
عاش ملعب كربلاء الدولي أمس الأول الأثنين واحدة من أجمل ليالي الكرة العراقية المجنونة بحضور جماهيري استثنائي غبطهُ الإماراتيون أنفسهم في حسابات تويتر بكلمات مُذهلة برغم وجع قلوبهم بهزيمة فريق الوصل بخماسية صادمة لن تبرح ذاكرة الفهود على مرّ أجيال النادي "الامبراطور".
حلّقت النوارس البيضاء على يد المدرب الماهر حكيم شاكر لتتحوّل مهمته الطارئة بظروفها العصيبة التي لم يكن شاكر نفسه مطمئناً بتواصله فيها الى انصهار روح التحدي بينه وبين أحد عشر لاعباً رؤوا أمل العودة معه ليكتبوا مجداً جديداً لأنفسهم ولناديهم ولبلدهم من بوابة آسيا العصيّة على أسود الرافدين منذ أواخر الثمانينيات حتى الآن.
آه يا حكيم .. ماذا فعلت بالوصل، فحاضره لا يمت بصلة لزمانه، وكأنّ أيامك القصيرة مع النوارس تنسج على منوال مقال الأديب والكاتب السوري خطيب بدلة عندما وصف موشّح زمان الوصل بـ ( أن الرائعة فيروز قدّمته لأول مرة على مسرح معرض دمشق الدولي سنة 1960 بعد أن تعاملَ الأخوان الرحباني مع موشّح الشاعر الأندلسي "لسانُ الدين بن الخطيب" مثلما يتعامل أرستقراطي ثري مع كنز ثمين عثرَ عليه في حوض نباتات الزينة بحديقة قصره، فملكية النص تعود للشعب العربي وللذاكرة الجَمعية، ولا يوجدُ من يسائلُهما لأجله، أضف إلى ذلك أنهما بثا الحياة في الموشّح، ونفضا عنه غبار السنين حيث أنتقيا من الكنز الفصوص والأحجار الكريمة الأكثر جمالاً وألقاً وندرةً، والأكثر ملاءمة لمخزون الألحان العذبة الذي يتدفّق من مخيلتيهما الخصبتين، ويهملان الأبيات الأخرى، لا لأنها قليلة الشأن، وإنما للاعتبارات الفنية والأدبية الخاصة بهما) .
وهو ما أنتقاه المجتهد حكيم شاكر فوق مستطيل كربلاء الأخضر الذي غصّ بأعداد المشجعين لأول مرة منذ افتتاحه يوم الخميس الموافق 12 أيار عام 2016، فقد عرف شاكر قيمة جواهر الزوراء ووظّف أمكانيات كل لاعب في الفريق، مراهناً على مخزون عطاء المجموعة الباذلة دون هوادة وخاصة النورسين الذهبيين "علاء عباس ومهند عبدالرحيم" مع استعادة سامال سعيد وهجه الشبابي مفتتحا مهرجان النوارس بقذيفة مدوّية فجّرت ينابيع دموع العراقيين فرحاً غامراً وأذنتْ بهجوم كاسح لم يهدأ حتى إطلاق صفارة الرأفة بالفهود ليعودوا إلى بيوتهم بدرس مرير.. لم يكنْ وصلنا إلّا حُلُمَا!
بعث فوز الزوراء رسالة قوية لفرق مجموعته الأولى التي يتصدرها بفارق الاهداف عن فريق ذوب آهن الإيراني، إن دوري أبطال آسيا ليس عادلاً في منحه مقاعد المشاركة، والكرة العراقية بما تكتنزه من مواهب وأندية متقدمة ومنشآت لا تقل روعة وتقنية وسلامة عن بقية ملاعب الخليج وآسيا العملاقة، هي جديرة بمضاعفة حضور ممثليها، رسالة تلقي بظلالها على إدارة نادي الزوراء والملاك التدريبي واللاعبين والإداريين للمحافظة على مسؤولية الصدارة وعدم التراجع في المنافسة وتلافي أية سلبيات واجهت تضييف مباراة الوصل والسعي لاستكمال التحضيرات اللازمة لمواجهة النصر السعودي يوم الاحد السابع من نيسان المقبل على ملعب الملك فهد الدولي لاسيما إن النصر خسر ست نقاط ثمينة في جولة الذهاب حتى الآن أمام مضيّفه الوصل (0-1) وتقهقر في سيناريو غريب مع ذوب آهن الإيراني (2-3) في دبي (الأرض المحايدة) بإضاعته ركلة جزاء (88) واهتزاز شباكه بهدف قاتل للمطهري (90) .
هنيئاً للزوراء وحكيمه هالات الاعجاب التي انطلقت من أرض الإمارات الشقيقة قبل الجميع وهي تبارك لممثل العراق حضوره الرائع الذي بات يُحسب له نتائجه في مشوار المسابقة، ولعلّ من أميز الرسائل التي تلقيتها عبر تطبيق الواتساب بعد تسجيل علاء عباس الهدف الثالث بالدقيقة 51 مباشرة رسالة الحكم الدولي السابق الإماراتي علي حمد، وجاء فيها (مبارك لآسيا والعرب عودة الكرة العراقية واللعب على أراضيها في المنافسات الرسمية.. حضور مهيب مخيف.. وياويل من يلعب عندهم.. آسيا أيقظت القمقم من سباته وعليكم تحمّل تبعاته) .
مبارك لحمد روحه الرياضية النبيلة والمعبّرة عن صدق مشاعره نحو عودة كرتنا للتنافس بأداء مؤثر ودعم هائل من الجماهير اضفى تفاؤلاً كبيراً للمهمة، وترك المراقبين الآسيويين في حيرة وقلق من كيفية حسم المباريات على أرض كربلاء وسط اصوات مزلزلة لمعنويات الضيوف؟!