TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: لوثة الآيديولوجيا ومطهرُ الحب

قناديل: لوثة الآيديولوجيا ومطهرُ الحب

نشر في: 16 مارس, 2019: 12:00 ص

 لطفية الدليمي

تراه من بعيد : كائناً متثاقل الخطى يحمل على منكبيه عبء سنوات من الطهرانية اليوتوبية التي حفلت بها عقود الأدلجة الفكرية في خمسينيات وستينيات وبعض سبعينيات القرن العشرين ؛ فصار كمن يعيش في مطهر أرضي لايستطيع معه فكّ وثاقه مع مواريث الآيديولوجيا الغاربة ، ولايستطيع التعامل مع قوانين الحياة الجديدة بسبب مفاعيل البيولوجيا والخلايا الدماغية المتعبة بفعل تراكمات الزمن .
تُطِلُّ على شاشتك الحاسوبية في مواقع التواصل الإجتماعي فتعرف الكائن الآيديولوجي بين الألوف المؤلّفة من طريقته المميزة في التعبير وكيفية صياغة عباراته التي تبدو نحتاً في حجر الصوان لكنها تشي بروح فائقة الهشاشة - روح خذلها الماضي ويأبى الحاضر أن يفسح لها موطئ قدم للتصالح معه حتى في إطار علاقة موهومة أو متخيلة . كائن هلامي ، إذن ، هو هذا الكائن الآيديولوجي الذي يعتاش على وقود الذكريات العتيقة كمن يريد تحريك قطار كهربائي حديث بفعل قوة البخار التي جعلت الحركة تدبّ في عجلات قاطرة ( ستيفنسون ) الإنكليزية البدائية . لاالذكريات تأبى الإنزلاق لقعر الذاكرة لكي يتآكلها النسيان ، ولاالروح بقادرة على تخليق آيديولوجيا بديلة عن تلك الغاربة . إنها حكاية نوستالجية أتلفت حياة الكثيرين وحرمتهم بعض هناءة ممكنة في عيش الحاضر والتعامل مع ممكناته المستجدة .
هل الآيديولوجيا قدر مقدّر على الإنسان ؟ وقبل هذا ، هل الكائن البشري مخلوق آيديولوجي في المقام الأول ؟ وإذا كانت الآيديولوجيا في مرتسماتها الأساسية صناعة غربية ؛ فلِمَ لانشهد إذن هذا الإنكسار العقلي والسايكولوجي لدى الغربيين ( لديهم إنكسارات كثيرة لكنها غير آيديولوجية الطابع ) ؟ تلك أطروحة فكرية ضخمة بحق ، وسأتناول جانباً منها فحسب.
يبدو واقعنا العربي قاسياً منذ بواكير نشأته التأريخية الأولى ، وربما لعب غياب الحبّ داخل أسَرِنا دوراً مرضياً ( باثولوجياً ) في روح الأفراد إلى حدّ جعل منهم ثقوباً سوداء تلتهم كلّ مايمنحها فعلاً تعويضياً عن غياب الحب ، والأفراد هنا رجال ونساء على حد سواء مع بعض الميل الطبيعي لجهة النساء بسبب كون الحب يمتلك مفاعيل أقوى في روح الأنثى لاعتبارات سايكولوجية محددة وأخرى تفرضها الترتيبات المجتمعية ، ولما كان الحب الطبيعي غائباً أو مغيباً بصورة قسرية فسيكون البديل الطبيعي هو حب شيء ما : فكرة أو هدف أو غاية أو سياسة أو حزب ،،، الخ ، ونحن نعرف أنّ بيئتنا لم تعمل على ترسيخ قواعد وأخلاقيات عمل رصينة - بسبب الإضطرابات السياسية في المقام الأول - تعين المرء على تلمّس خطواته بثقة ؛ لذا ستكون النتيجة المتوقعة أن يندفع الشاب في الإنتماء الحزبي المتعجّل الذي يَعِدُهُ بمكانة ومستقبل لايستطيع بلوغهما عن طريق التراتبية الهادئة القائمة على العمل الجاد والمنظّم ، والشباب في أغلبه الأعم متعجّل يريد بلوغ أهدافه بكلّ الوسائل المُتاحة .
الآيديولوجيا بهذا المفهوم تعمل في الشباب بمثل مايفعله الحب فيهم ؛ فنراهم يندفعون في شرب أنخاب الآيديولوجيا حتى الثمالة، ثمّ تستحيل الآيديولوجيا لديهم معشوقاً يغضّون الطرف عن العيوب المحتملة فيه ولايرونه إلا كمثال الكائن المكتمل في ذاته، وإذا ماحصل أن إنكسرت صورته لسبب من الأسباب فسيجعلهم هذا الأمر كائنات معطوبة عصية على المداواة .
لو دققنا في تأريخنا الفكري وقرأنا عن ظاهرة الحبّ لدى الإغريق وكيف عدّوها ضرباً من الجنون الشامل المؤقت لكان بمستطاعنا معرفة بعض الأسباب التي دفنت الكثيرين تحت التراب أو جعلت منهم كائنات معطوبة الروح لاتقوى على مواجهة الواقع بجرأة وعقلانية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram