TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: من هو المثقف ؟

العمود الثامن: من هو المثقف ؟

نشر في: 18 مارس, 2019: 12:00 ص

 علي حسين

لا أعرف عدد المرات التي قرأت فيها مؤلفات جان بول سارتر ، قارئاً ومتمعناً في الدروس والعبر التي تقدمها لنا مؤلفات هذا الكاتب الذي كان يمنّي النفس في أن يصبح شاعراً، فالأدب أكثر خلوداً من الفلسفة، هكذا قال ذات يوم سيمون دي بوفوار، وكنت دائما أسأل نفسي من هو سارتر؟
هل هو المفكر الملتزم أم البوهيمي الذي قضى حياته يتنقل من مقهى الى مقهى، أم المناضل السياسي الذي دافع بشراسة عن الجزائر وكوبا وفيتنام؟ هل هو الفيلسوف الذي كتب أصعب المؤلفات وأعقدها " الكينونة والعدم " أم كاتب المسرحيات التي حظيت بإقبال جماهيري كبير؟.
تذكرت سارتر امس وأنا أشاهد برنامج الصديق عامر إبراهيم " طبعة بغداد " يشير فيه الى دور المثقف في صناعة الرأي العام .
كان ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان سارتر يكيل النقد لسيد الإليزيه ، فما انفك سارتر يحارب ديغول ويسخر منه، مواجهة حادة بين عبقرية الفكر وعبقرية السياسة، كان فيها ديغول يحترم سارتر وحين أصبح الأخير رمزاً يلهب مشاعر الطلبة ويقود أعنف التظاهرات ، وحين امتلأت صحف فرنسا بصور سارتر يوزع المنشورات ضد نظام الحكم ، طالب عدد من القادة الأمنيين والوزراء بسجنه ، فردَّ عليهم ديغول بعبارته الشهيرة "لا أحد يسجن فولتير، هل يمكن أن نضع فرنسا في السجن؟"
نقرأ سارتر فنرى كيف تتقدم الأمم ونحن قعود. وإذا قمنا فلكي نقاتل بعضنا البعض. دائماً محملين بأطنان من الأكاذيب وأكوام الخطب. ولا شيء سوى السبات في الجهل والتخلّف والطائفية .
ظل سارتر يرفع شعار "لا" لجميع أنواع الفشل والخراب ، فقد ولد الإنسان حراً ليس من أجل أن يصبح رهينة لسياسي أحمق، أو مجموعة من ناقصي الخبرة والإنسانية .
كان العراقيون ينتظرون نهاية حقبة الدكتاتورية، كي يخرجوا إلى النور، فقد أرهقتهم الحروب العبثية ، فإذا بهم يجدون أن الوطن يخطف من قبل ساسة مصرّين على أنهم الأوصياء على أحوال الأمة والعباد.
وأعود إلى فيلسوف الوجودية لأجده يخبرنا أن الخطر الحقيقي الذي يطيح بالبلدان هو الفشل والجهل ، حيث تجد الناس نفسها أسرى لأصحاب الصوت العالي، فيما الفاشل يصرّ على أن يبيع للمواطن أمجاداً زائفة .
يخرج العراقي في بغداد والبصرة وكركوك والحلة والأنبار، والمدن المنسية، شاهراً خوفه في وجه مصانع الفقر والاستبداد وأفواج الانتهازيين التي لا تنقطع، ويروح يقارن بين الماضي والمستقبل . وفي النهاية يختار الصمت والانتظار، ربما يسمح "أمراء الطوائف" بتأمين مستقبل عائلته!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram