لطفية الدليمي
تفصح التسميات في أحيان كثيرة عن طبيعة المسمى بخاصة تسميات التجمعات أو المنتديات وتكشف عن أنشطتها الثقافية أو المهنية كما فعلنا في بغداد ذات حلم حين قمنا أنا ومجموعة من السيدات في اختصاصات علمية وثقافية مختلفة بتأسيس “منتدى المرأة الثقافي” وهي تسمية واضحة لا تثير تساؤلات عن هوية هذا المنتدى أو طبيعته.
غير أن تجمعاً نسوياً في عماّن يحمل اسم “نادي الفتيات الفضيات” قد يحيلنا إسمه إلى نادٍ رياضي لسيدات تفوقن في رياضة ما وحصلن على عدد من الأوسمة الفضية، أو قد يخطر لنا أنه يضم سيدات شغوفات بالحلي الفضية أو فنانات برعن في تصميمها وصياغتها.
وربما يخطر على بال البعض أنه تجمع لسيدات مختصات بالجيولوجيا ينقبن عن المعادن الثمينة في أعماق الأرض ولعل بعضهن عثرن على شيء من معدن الأرجنتوم (الاسم اللاتيني للفضة) فاتخذن الاسم مثلما سميت الأرجنتين به (أرض الفضة)، ولكن يا للمفارقة، فقد اكتشفت أنه منتدى من معدن ثمين ونادر في أيامنا هذه تقوم عضواته بالتنقيب عن شذرات المعرفة وجواهر الفكر والثقافة والفنون بين دفتي كتاب: إنه نادٍ نسوي للقراءة..
يا لها من فكرة مبهجة أن نرى سيداتٍ قارئات يلتقين ويؤسسن ناديا للكتاب، تساءلت: يا ترى ما علاقة الفضة بالكتاب والقراءة؟ ولماذا الفضة تحديدا؟ تبتسم السيدة سوسن كيالي التي تبنت فكرة المشروع وحققتها واستضافت بمنزلها سيدات النادي في أول لقاء لهن فتخبرني أنها ومجموعة السيدات الأردنيات والعراقيات المنضويات في نادي الكتاب جميعا قد تجاوزن سن الشباب، وكللت رؤوسهن فضة الزمن المضيئة وأشارت إلى شعرها الفضي بتسريحته الأنيقة.
تواصل السيدة سوسن الحديث ( وقد اقترحت الصديقة العراقية الفنانة التشكيلية وفاء لامي هذا الاسم "نادي الفتيات الفضيات" على مجموعتنا، وهو إسم كما ترون ينطوي على مفارقة وبعض مرح ساخر، كون عضوات النادي لسن بالفتيات الصغيرات بل سيدات بلغن عمر النضج واغتنين بخلاصات تجارب العيش التي منحتهن كنوزا من الخبرات بعد أن حققن مشاريعهن الشخصية والعامة مما يسّرَ لهن الانصراف إلى القراءة ومتابعة مستجدات الفكر والفن والأدب.)
تضم مجموعة "الفتيات الفضيات" نخبة من السيدات عاشقات القراءة والكتب في تخصصات مختلفة، فبينهن الطبيبة والصيدلانية والمتخصصة في علم النفس والباحثة في الفن الإسلامي والمعنية بالتاريخ والفنانة التشكيلية ، يلتقين بمواعيد دورية بعد الاتفاق على عنوان كتاب محدد لتجري مناقشته في اللقاء التالي.وتقوم القارئات بتدوين ملاحظات أساسية ونقدية دقيقة حول مضمونه وتتنوع اختيارات القراءة بين الروايات والكتب الفكرية والدراسات وكتب علم النفس والاجتماع وأدب الرحلات وتحرص السيدات على متابعة الشأن الثقافي العربي والاطلاع على مستجداته وتقديم رؤى نقدية رصينة للواقع الثقافي ، وما بين مواعيد مناقشة الكتب المختارة التي تتم في منزل إحدى السيدات الفضيات، ترتاد السيدات مجتمعاتٍ - قدر الإمكان- محاضرات ثقافية وأفلاما وأمسيات موسيقية.
وقد تستضيف المجموعة مؤلف الكتاب أو مؤلفته وتجري المناقشة معه أو معها كما حصل معي عندما دعتني السيدة سوسن كيالي إلى حضور مناقشتهن لكتابي " مدني وأهوائي" الذي فاز بجائزة ارتياد الآفاق عن أدب الرحلة وتعرفت إلى مجموعة السيدات القارئات وكان لقائي معهن ثريا ممتعا جمعني بقارئات من طراز لم نألفه ، وخطر لي أن اقترح عليهن لقب "السيدات الذهبيات" أو " القارئات الماسيات "، ولكني لم أشأ البوح بخاطرتي، فلا يصح أبداً مقارنة جهدهن الثقافي ورصانة النقاشات ومتابعة الوقائع الثقافية بأي مسمى مادي، لأنه سيبقى قاصرا عن توصيف فعاليات نادي السيدات المثابرات.