اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: دنانير عبدالستار ناصر الخمسة

باليت المدى: دنانير عبدالستار ناصر الخمسة

نشر في: 27 إبريل, 2019: 12:00 ص

 ستار كاووش

لم يَبقَ على إنطلاق الباص الى عمان سوى ساعتين، وأنا أَعدُّ اللحظات في طريقي لمغادرة مجلة ألف باء، حتى بادرني الصديق عبد الستار ناصر بالسؤال (هل لديك ما يكفي من نقود لأيامك الأولى؟) فأجبته وأنا أَستَلُّ بطانة جيب سروالي: لا أملك سوى علبة سجائر. فأمسكَ ذراعي قائلاً بطريقة رومانسية كأبطال قصصه (إسمع، لقد بعتُ قبل قليل خمسة دنانير أردنية للممثلة هناء محمد، أرجو إنها ماتزال في بناية الوزارة) وأسرع باحثاً عنها، ليعود بعد قليل ويدس الورقة ذات الدنانير الخمسة في جيبي، وقد إختلطت ضحكته بكلماته وهو يقول (أعيدها لي حين تصبح غنياً، بالأضعاف التي تقدر عليها). مرَّ خمسة وعشرون عاماً وما زال المشهد ماثلاً أمامي، حيث إنطلق الباص بي نحو عمان، تاركاً خلفي آخر ما تبقى من الأصدقاء، بعد أن أوصلوني الى المحطة، يتوسطهم حميد قاسم، بوجهه الوسيم ويده التي لوح لي بها من خلال نافذة الباص، الذي كلما إبتعد، إتسعت المسافة بيني وبين أصدقائي، وكلما دارت عجلاته أكثر، كلما صارت بغداد وكل الأشياء التي أحببتها بعيدة عن بصري. حتى جائزة الدولة التي عرفت بأنها قد منحت لي في تلك السنة، خرجتُ دون إستلامها، فهاجس السفر كان يتملكني وقتها، وقد حانت اللحظة ولم يعد هناك متسع للانتظار. فالحياة لاتمنحك الفرص كل يوم، بل عليك أن تجتهد وتتحايل، كي تضع نفسك في طريق الفرص ولا تدعها تمر دون أن تتوقف هي عندك، وهكذا كنت أنظر الى السفر. وصلت الى هولندا ومباشرة سألني أحد الأصدقاء (هل جلبت لوحاتك معك؟) فـأجبته بأني لا أستطيع حمل لوحات معي وأنا اتنقل من بلد الـى آخر باحثاً عن مستقر، لأوضح له في النهاية وأنا أطرق بسبابتي علـى رأسي، بأن لوحاتي هنا، وستخرج بالتأكيد حين أشعر بالطمأنينة. لأبدأ بعدها بالرسم في كل مكان متاح لي، حتى أني نفَّذتُ الكثير من التخطيطات والدراسات للوحاتي في المقاهي والباصات والقطارات، وعرضتُ في أماكن صغيرة وتكاد تكون مهملة، فقط لأكرر ظهوري حتى يتعرف عليَّ فنانوا المدينة التي أعيش فيها. مرَّ الوقت، وحصلتُ على أشياء ربما تكون كثيرة، لكن دنانير صاحب (أوراق رجل عاشق) بقيت تسكن مكاناً أثيراً في ذاكرتي ووجداني، ولم تفارق مخيلتي، لأنها شكلت خطوتي الأولى في الغربة.
وذات ظهيرة اتصلت بي امرأة من منظمة العفو الدولية تطلب مني السماح لهم بطباعة واحدة من لوحاتي كبطاقة بريدية توزع وتباع في أماكن عديدة من العالم، وكانت فرصة جيدة ومهمة، تنطلق فيها لوحتي من خلال هذا المكان الإنساني المؤثر، فوافقتُ في الحال، لتحضر موظفتين الى مرسمي، للإتفاق على ذلك وإختيار اللوحة المناسبة، وبعد إقتراح لوحتين من سلسلة (شوق الى البيت) تم إختيار لوحة (الحديث بصوت هادئ) لتكون هي البطاقة، وفي هذه اللوحة يظهر شخص مجنح يشبه الملاك ينحني ويحتضن شخص آخر بيده التي يشع منها لون أخضر، وكأنه يطمئنه ويهمس له ببعض الكلمات. وقد عَلَّقَتْ إحدى السيدتين، بأن تكوين اللوحة جميل وموضوعها مناسب للبطاقة، فهي تثير مشاعر إيجابية لمن يراها. طُبِعَتْ البطاقة ووزعت، ولحسن الحظ إنهم أضافوا على ظهر البطاقة كتابة موقعي الشخصي (قبل انتشار فيسبوك) لتأتيني رسائل من بعض الأماكن البعيدة لناس وصلتهم البطاقات من معارفهم وإطَّلَعوا على أعمالي من خلال الموقع.
مرّت بعض الأيام وإذا بي إستلم رسالة بريدية من منظمة العفو الدولية، كتبها لي رئيس المنظمة، فرع أمستردام، ومن ضمن ما جاء فيها ( ...السيد كاووش، شكراً لأنك قد سمحت لنا بإستخدام لوحتك كبطاقة بريدية يعود ريعها للمنظمة. لقد حصلنا على خمسة آلاف يورو من مبيعات البطاقة وسنستخدمها للأعمال الخيرية...) نظرت الى كلمة (خمسة آلاف) وإلتمعت عيني وأنا أردد مع نفسي: شكراً صديقي عبد الستار، لقد أثمرت دنانيرك الخمسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram