فارس كمال نظمي
قبل عامين، وخلال الأسبوع الأول من شهر نيسان 2017 جرى عرض فلمين وثائقيين على نحو متزامن في بغداد، أحدهما في احتفالية لأحد الأحزاب الإسلاموية، والآخر بثته قناة العراقية الرسمية في اليوم نفسه، إذ يتناول الفلمان في أجزاء منهما بالتمجيد والتهليل الفتوى الشهيرة القائلة «لا يجوز الانتماء للحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد...» 1961. وقد تزامن ذلك في الأسبوع نفسه مع حادثة مفبركة في جامعة القادسية لإقحام الحزب الشيوعي قسراً في مواجهة مصطنعة ذات طابع ايديولوجي تسقيطي (ديني- لا ديني)، وصولاً إلى تفجير مقره في الديوانية. واليوم، يتعرض الحزب الشيوعي العراقي (وتحديداً مقره في الناصرية) من جديد إلى اعتداءات مماثلة في جوهرها، على خلفية اتهامات ذات طابع إقصائي وشعبوي وجهت إلى عضوة برلمان تنتمي للحزب بسبب إدلائها مؤخراً بتصريح سياسي جرى انتزاعه من سياقه المضموني ليثير جدالاً ذا طابع لغوي تأويلي سفسطائي أكثر منه نقاشاً ذا قيمة فكرية موضوعية.
وهنا أكرر ما كتبته قبل عامين:
إن الصراع السياسي المحتدم في العراق منذ 2003 بين نخب ثيوقراطية على أسس هوياتية إثنية ما قبل مدنية، قد أخذ بالتحول التدريجي البطيء إلى صراع ذي ديناميات وطنية/ طبقية. ويشكل الحزب الشيوعي -واقعياً- واحداً من الجهات المسهمة في هذا التحول. ولذلك فإن استهدافه اعتبارياً ومادياً يصبح أمراً "مطلوباً" ومفهوماً عبر أداءٍ سياسي رث لجماعاتٍ طافية لم تكتسب التقاليد العميقة للعمل السياسي الرصين، ولا تمتلك غير العنف والتهديد والتخويف رصيداً أحادياً لدخول الصراع السياسي، دون أي مشروع فكري يحتكم إلى براهين عقلية أو فلسفة تنويرية لإقناع الناس وكسب ألبابهم.
إن أفول الأسلمة السياسية بمشروعها التطييفي للوجود الاجتماعي، في مقابل بروز هيمنة ثقافية جديدة يسهم فيها الشيوعيون من بين جماعات مدنية ودينية أخرى، في الدعوة إلى إنهاء الطائفية السياسية ومكافحة الفساد والتطرّف وإعادة توزيع الثروة، إنما يعني أن ميزان الصراع الايديولوجي في البلاد قد بدأ باستعادة عقلانيته. فالتناقض الحقيقي في المصالح والقوة الاجتماعية ما عاد يمكن التعمية عليه بعبارات فقهية أساطيرية تريد إعادة إنتاج الوعي الاجتماعي وفق سرديات الصراع المذهبي والعِرقي المُتَخَيَّل، بل أصبح جلياً إنه - أي التناقض- بات يتفاعل بين مجتمع مقهور وسلطة أوليغارشية قاهرة. وهنا يأتي استهداف الشيوعيين بوصفه تعمية سيكو-دعائية يراد منها إظهار أن الصراع الايديولوجي الماثل إنما هو نتاج لتنافر "مدني - ديني" نهايته السماء لا الأرض، وإنكار إنه صراع دنيوي متنامي في حدته بين أقلية فاسدة وأكثرية محرومة.