طالب عبد العزيز
يؤسفني أنني لم ألتق إيرانياً واحداً امتدح النظام لكنهم يجمعون على حبهم لإيران. بائع أدوات الصيد (صلاحي) المتزوج من أميركية، والمهندس في مجال النفط لم يخف تذمره من الوضع السيباسي والاقتصداي المتدهور، لكنه ظل يحدثني عن جمال الطبيعة في محافظة كيلان، وأن مدينته أنزلي هي من أجمل المدن البحرية في العالم وأن الضواحي الأخرى التابعة لكيلان هي موطن الشاي والرز بامتياز. وفي طريق عودتي من السوق راح سائق الأجرة (علي) يؤكد على أنه لن يغادر إيران الى أي جهة في الأرض ذلك لأن إيران جميلة، بل وجميلة جداً.
بائع الحلوى، الشاب الوسيم (محسن) وهو فني في شؤون البحر، الذي وقف في محل والده، يبيع القطائف والمعجنات الطيبة، الذي ظل ممسكاً برواية (آباء وأبناء) لتورجنيف، راح يحدثني بلغة انجيلزية بسيطة، عن معاناته في الحصول على الوظيفة، وعن تدني سعر صرف التومان مقابل الدولار، وقد بدا يائساً، لكنه، لم يبخل بحبه لمدينته الصيرة(انزلي) إنما ظل يقلب طرفه في الجهة البحرية الهادئة، ويشير الى البحر الخزر، ويأمل في زيادة التبادل التجاري بين إيران وروسيا وأذربايجان ودول البحر المتشاطئة، في حديث لم يخل من أمل في نهاية لمعاناة أهله.
كل الذين التقيتهم في مدن كيلان أبدوا امتعاضهم من وجود العراقيين الذين يزورون إيران، بما فيهم مهدي، صاحب المطعم الكبير في لاهيجان. هناك صورة نمطية قبيحة لدى الايرانيين تقول بأن معظم الذين يأتون إيران من المدن العراقية إنما يأتون لمعاشرة النساء، وهم يستغلون تدني سعر صرف التومان أمام الدينار العراقي أو الدولار الاميركي الذي يملؤون جيوبهم به، وأن شراءهم للمواد الغذائية والمنزلية من أسواق إيران إنما تسهم في معاناتهم، بل وفيها الكثير من الإذلال. ووجدت صعوبة في اقناع غالبيتهم بأنني هنا سائح لا أكثر، ولم تكن المرأة أو التجارة بغيتي، أنا سائح، أبحث عن جمال الطبيعة والحديث مع الناس، ولم أخف غربتي في البلاد الجميلة هذه، إذ لا اقبل أن تكون صورتي في اذهانهم هي صورة الوغد، الذاهب للتمتع بالنساء أو التاجر الجشع، أنا أشاركههم المعناة والأمل أيضاً.
كثيرون، هم الذين ما زالوا يحلمون بموقف أميركي يخلصهم من حكومة النظام الديني في طهران، مع يقين البعض منهم بان أميركا، هي، هي بوجهها القبيح، القديم والجديد، وأنها لم تعمل يوماً على تخليص شعب من نظام استبدادي إلا وجعلته نادماً على ما كان عليه، كنت أحدثهم عن عراق ما بعد صدام حسين، وكيف هي الديمقراطية الزائفة التي جاءتنا معهم، غير مخف عليهم يقيني بان بقاءهم على النظام الحالي هو خير لهم من الوعود التي تأمّلكم بها أميركا. لكنَّ اليأس والحيرة والوضع العام في بلادهم قللت من حجم الخيارات عندهم. الى جانب ذلك كله لم أرَ شعباً يحب بلاده حباً خالصاً مثل الشعب الإيراني.