علاء المفرجي
عالجت السينما السيرة الإبداعية لفان كوخ بأكثر من فيلم حتى صار مجموع ما أنتجته السينما عن هذا الفنان يفوق ما أنتجته عن أي فنان آخر.
الفيلم الأول عن حياة فان غوخ كان عام 1948، وفيلم قصير في عام 1950 اعتمد فيه مخرجه الفرنسي ألن رينيه، لاستحضار مصير فريد من نوعه لفنان غامض، حيث اختار تصوير اللوحات الرئيسية بالأبيض والأسود واتبع أسلوب تصوير حياة الفنان والأماكن التي عاش فيها، من خلال أعماله فقط، واعتبر الفيلم تحفة فنية.
ثم يأتي المخرج الاميركي فينسيت مينللي ليقدم فيلماً ضخماً عام 1956 باسم «شهوة الحياة» والذي أخذ اسمه من لوحة رسمها فان كوخ حيث قصة حياة الفنان المضطرب (فان كوخ)؛. الفيلم قام كيرك دوغلاس ببطولته. وأسهمت أستراليا بفيلم حمل توقيع المخرج بول كوكس عام 1986م وهو (فنسنت: حياة ووفاة فنسنت فان جوخ) ويتحدث بما يشبه الوثيقة عن سيرته .ويختار المخرج الفرنسي موريس بيالا الممثل جاك دوترون للشبه الكبير بفان غوغ، ويقدم سيرته بشكل مختلف فينفي عنه صفة الجنون معتبراً إياه فناناً لايختلف عن باقي العظام.
ولابد أن نشير الى ما قدمه المخرجان دوروتا كوبيلا، وهيو ويلشمان من تجربة بصرية متفردة من خلال فيلم مصنوع من لوحات مرسومة باليد وباستخدام الألوان الزيتية. وهو أول فيلم في العالم يتكون كاملاً من الرسوم الزيتيّة، وشارك في العمل حوالي 125 رسّاماً من دول مختلفة حول العالم ساهموا بحوالي 65,000 لوحة زيتيّة رُسِمت على نسيج مخصص.
الفيلم الأخير عن فان كوخ (عند بوابة الأبدية) من إخراج جوليان شنابل، وهو رسّام نيويوركي ومخرج أفلام، كان قد أخرج فيلماً عن الرسام النيويوركي جان ميشال باسكيا. وهو الفيلم الذي كان مرشحاً قويا للفوز بجائزة مهرجان فينيسيا هذا العام 2018.
اعتمد شنابل معالجة مختلفة لسيرة هذا الفنان العظيم، لاتعتمد على سيرة حياته بسرد تقليدي لطالما شاهدناه في أكثر الأفلام عنه بل ذهب الى استبطان روح الفنان، حيث هواجسه وألمه، وكيف يضع جزءاً من روحه فيما يبدع، ليقدم مشاهد بصرية أقرب الى الشعر، كيف لا، وهو الرسام الذي بدا تعاطيه مع حياة كوخ بإحساس وتعاطف كبير.
فيلم شنابل اعتمد سرداً مختلفاً ودراما لايبدو فيها كوخ في مواجهة ما أو صراعٍ سوى مع نفسه التي يسبر أغوارها، ويكتشفها لتتجلى فيما بعد في أعماله، فالمخرج – خلافاً لكل المعالجات السينمائية عن سيرة كوخ- يأخذ المشاهد ليرافق كوخ في عملية الخلق الفني في لوحاته، كنا نلمس حركة الفرشاة، وننعم باكتمال اللوحة. بل يذهب المخرج أكثر من هذا ليصور لحظات إبداعه من خلال مشاهد مكتملة بجمالها حيث الرسام يجول في أحضان الطبيعة، وينقل لنا حركة العشب ومشهد غروب الشمس، لنتذكر أغلب لوحات هذا الرسام الكبير، وفي الوقت نفسه يخبرنا باضطراب أوضاعه النفسية ومشكلة تواصله مع الآخرين، "أردت أن أكون واحداً منهم" هذا مايقوله في بداية الفيلم، ففي أكثر من مشهد نقف فيه على سوء فهم الآخرين لكوخ، (مشهد المدرسة مع الأطفال، والسخرية التي يواجهون فيها كوخ وهو يرسم).
الإداء العظيم لوليم دافو بتجسيده لشخصية كوخ، وإعادة انتاج سيرته بعيون رسام قبل أن يكون مخرجاً هما السبب الأساس لنجاح هذه الفيلم بقيمته الفنية الكبيرة.. فقد قدم وليم دافو إداءً عبقرياً لكوخ تفوّق فيه على نفسه.. وبراعة المخرج شنابل باعتماد سيرة اقتربت كثيراً من أهم ملامح هذا العبقري.