طالب عبد العزيز
بلاد أمرها عجب. تفتح صفحتك على الفيسبوك، فتقرأ رسائل شامتة، مستبشرة بالضربة الاميركية لإيران، من أصدقاء عراقيين، غالبيتهم من طائفة معلومة، وتفتح صحف الخليج فترى الأمر ذاته، يشدُّ من أزرهم، وكأن حلماً ما، أُنتُظِر طويلاً سيتحقق، وفي حمّى وحميم ذلك، تقرأ رسائل لأصدقاء عراقيين، من طائفة ثانية، تشدُّ من أزر إيران، وتدعو لنصرتها، وتعظيم شأنها في المحيط الاسلامي والشان العراقي، وكأنها ولدت ونشأت وترعرعت في سهول ووديان أصفهان وشيراز ويزد، بل وتذهب بعض الفصائل المسلحة، ذات الهوى الطهراني أبعد من النصرة، فتنذر نفسها وأفرادها، قرابين الى ولاية الفقيه والمرشد الاعلى. لكنك تبحث عن الذين مع بلادهم(العراق) فتجدهم خائفين، ضائعين في الصفحات، وتائهين، لا يستطيعون فعلاً ولا تحرير قول حقيقي، ذلك لأن القسمة غير محتملة إلا على اثنين، لا أكثر، كلاهما لا علاقة له بالعراق.
تطالعك أخبار الموصل بعد خرابها الشهير فتتقدمك قضية انتخاب المحافظ، وتسبقك الأحاديث عن أكبر صفقة فساد في المدينة، بين المحافظ الذي بويع له وبين أطراف كثيرة، لا يهمها شأن المدينة أو ما ستؤول اليه، إنما من سيحظى بالمنصب، ومَنْ من الأطراف سيكسب اللعبة. وتدخل قبة البرلمان فتطالعك أخبار بيع رئاسة إحدى اللجان بمبلغ تسعة ملايين دولار، أمّا ما لم تسمع به فلن يكون أقل من ذلك، بكل تأكيد. ثم إذا انسرحت جنوباً ودخلت مبنى محافظة البصرة مثلاً فستسمع (عياط) المحافظ أسعد العيداني، وهو يذكّر عضو المحافظة علي شداد الفارس بمبلغ عشرة آلاف دولار، التي قبضها من رجل الأعمال اللبناني (أكرم فران) الأمر، الذي يعيب الفارس فيه على المحافظ جمعه بين منصب المحافظ وعضوية البرلمان. رائحة شواء كريهة لمائدة كريهة ليس للبصرة والبصريين نصيب فيها، إذ الأمر بين اثنين لا أكثر، أو بين حزبين حاكمين على وجه التحديد.
هناك، في كل تصويت يجري في الحكومة أو في البرلمان، وعلى أي قرار يكون، ثمة فريقان قويان، وفريق آخر غير مؤثر، طرفان، ثوران أو فيلان أو فأران ربما، لكنهما الوحيدان المتصارعان على الساحة والتأثير فيها، لكن، هناك فريق آخر، هو أدنى من دعسوقة، سمّه حمامة أو فراشة أو ما تشاء، فهو بلا قيمة ويمكن سحقه في أي لحظة، هذه الدعسوقة أو الفراشة، ربما تكون الطرف العراقي الوحيد، الذي يستحق التبجيل، وقد يكون الأمل، في بلاد سيظل مستقبلها يدار بيدين اثنتين، لكنهما غير عراقيتين، إذا سلمت واحدة من فساد لم تسلم الثانية من ولاء خارجي. يدان تتصافحان في السر وتختصمان في العلن، كل واحدة تعرف استحقاقها، وأهمية وجودها قوية بفعل امتدادها الخارجي، لا الداخلي، لكن الدعسوقة، الفراشة ستظل كما هي، ترفرف أو تدب بلا تأثير.
تقول الأخبار بأن استراليا باشرت بغرس مليار شجرة لمكافحة التصحر، في حملة ابتدأت من الجو، فذهبتُ، أقرأ النشيد الوطني الاسترالي، الذي يقول : " أيها الاستراليون، لنبتهج جميعاً / لأننا شباب وأحرار/ لدينا تربة ذهبية، وثروة نكدُّ من أجلها/ تقدمي يا استراليا الجميلة/ لنجعل من هذا الكومنوليث ملكنا/ أكثر البلدان شهرة.