طالب عبد العزيز
مع الزيادة الواضحة في الأنشطة المدنية العراقية، الثقافية حصراً، وتضاعفها في شهر رمضان، في مسعى من لدن بعض المؤسسات، شبه الرسمية وميسوري الحال والبيوتات العريقة، وما يشكله الحراك هذا من معافاة ظاهرة، تصب في صالح المجتمع، إلا أنَّ أي قراءة متأنية لا تخرج بنتائج من شأنها انتقال الحال الى حال آخر، فهي بسيطة وواهنة ومحددة، إزاء ما يعتمل داخل المساجد والحسينيات، ومضايف القبائل من أنشطة، بعلم أصحابها أو بدون علمهم، عملت وتعمل على تقويض النشاط المدني وتحجيمه في أصغر نقطة ممكنة.
لا ندّعي بوجود تقاطع ممنهجٍ لأنشطة الطرفين، لكنَّ الوقائع ما زالت تؤشر الغلبة لصالح الطرف الثاني، من حيث العدد والنتائج، وما زال أتباع رجال الدين والحزب الديني وزعامات القبائل يمسكون بزمام المبادرة، في التحشيد والفعل والنتائج، متى شاؤوا، فيما لا نجد إلا الفعل المحدود والمُقتصِر على النخب في المؤسسات الثقافية، وداخل البيوتات، أو في أروقة ضيقة. الأمر، الذي يشكل خيبة أمل واضحة في التغيير، وما قام به الشباب المتحمس، من أتباع السيد مقتدى الصدر بالنجف يؤشر ما نذهب إليه، وبما لا يمكن استخلاص النتائج الصحيحة منه، إذ أن الاموال التي (سرقها) أصحاب المولات، والتي أُحرقت وبُعثرت هي في الحقيقة أموال الشعب المغلوب، كان الأجدر بهم الاحتفاظ بها وإعادتها لخزينة الدولة.
يغضب البعض من قولنا:إنَّ المؤسسات الدينية ذات السمعة الحسنة، ما زالت تخطط وتعمل لفعل البِر والإحسان على وفق شمعة علي بن ابي طالب أو سفرة علي بن الحسين(السجاد)، وهذه الممارسة أقل ما يقال عنها بانها نتاج ذهنية بدوية ضيقة، ما زالت تنظر الى الحياة بمنطق القِرى وكفالة اليتيم وتزويج الأرملة، على وفق منظومة تجاوزها العقل اليوم، وهنا نتحدث عن المؤسسات ذات السمعة الحسنة، أما المؤسسات الحزبية، التي تتخذ من الدين وعاءً لأفعالها فهي خارج التوصيف هذا، بكل تأكيد. لننظر الى ما قام به أحد المحسنين الإيرانيين، الذي غرس أكثر من 200.000 ألف وردة في ذكرى وفاة والدته.
في رمضان، من كل سنة، وقبل أذان المغرب، يشاهد مستعملو طريق أبي الخصيب –البصرة طابوراً من الناس، محتشدين أمام بيت أحد (المحسنين) يطبخ ويوزع عليهم الطعام في صحاف من البلاستيك، في مشهد يذكرنا بالمساكين المشرفين على الهلاك في مجاهيل أفريقيا، أيام القحط والجفاف. لا أريد أن أتحدث عن نية الرجل، أو الدافع من ذلك، ربما يكون الرجل صادق النية، غير مستعرض لكرمه، لكنَّ المشهد يوحي بذل هؤلاء، وهم يحملون طعامهم أمام المارة، الذين يدفعهم فضولهم الى التفرّس في الوجوه، ومعرفة الواقفين، فيما، يتخفى الرجل، صاحب المائدة، خلف كلمات الشكر التي يرسلها هؤلاء. أمر يخلو من الفروسية والإنسانية بوضوح.
نحن لم نتدرب بعدُ على تمكين الوعي في أفعال الخير وصناعة الجمال، فالفعل هذا ما زال ملتبساً عند البعض، لذا، ومن وجهة نظر عامة، لا يمكن الحط من شأن أمسية مخصصة للتراث، على سبيل المثال، يتحدث فيها أحدهم عن أدوات الحراثة والزرع والسقي إزاء أمسية أخرى تقام في مسجد أو حسينية يتحدث فيها أحدهم عن فضائل شهر رمضان أو شهر المحرم، ذلك، لأنَّ كل واحدة منهما إنما ترصد مشهد معيناً. الحلال والحرام والقداسة وأفعال البِر قضايا نسبية في أي مجتمع، للأسف ما زالت ملتبسة عند البعض.