محمد حمدي
مباراة من العيار الثقيل، ربّما لن يجودَ بها الزمن سوى مرّات نادرة، اجتمعت فيها مقوّمات النجاح والتألق بصورة مثالية بقصد أو دون قصد، ونعني هنا كلاسيكو بغداد الذي جمع القوة الجوية بالمتصدّر الشرطة، وانتهى بفوز جوّي تأريخي مستحقّ حملَ اشارات نادرة كثيرة جداً يجب التوقّف عندها للفائدة وتسجيل كل ما هو إيجابي.
نعم، توافرت عناصر النجاح في هذه المباراة بصورة مثالية: الملعب بحالة جيدة مع الجمهور الرائع الكبير والتوقيت المناسب جداً بليلة رمضانية جميلة، بدا كل شيء فيها يسير نحو سهرة رياضية كروية في غاية المتعة، ويقينا لو توافرت مثل هذه الظروف مجتمعة حتى لمؤخرة اندية الترتيب في الممتاز لشاهدنا مباريات كبيرة أيضاً، فالجماهير الهائلة وامتلاء ملعب الشعب بها كانت غاية الطموح في شحن الأجواء وإلهاب المنافسة بين العريقين الشرطة والجوية، يضاف لها النقل التلفازي والتغطيات الإعلامية التي سبقت المباراة بأيام، وكان كل ما يدور في الساحة يُنبئ بحدث رياضي فريد، كالذي شاهدناه، وانتهى مثيراً بفوز الجوية بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
هنا يتوارد الى الذهن السؤال التالي: ترى لماذا لا تكون جميع مباريات الدوري العراقي بهذا المستوى والإعداد؟ ولماذا تكون المباراة الكبيرة المكتملة نادرة الحدوث اليوم؟ وكيف لنا أن نهيئ الظروف المناسبة لأجواء مثالية تقام بها مباريات الدوري بما يوازي ما لدى الآخرين؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها لابد أن نقرّ ونؤكد أولاً بأن امكانية الارتقاء بالدوري والمباريات ممكنة بدليل مباراة الجوية والشرطة الأخيرة التي وصفت بمباراة قمّة في كل شيء، لأجل ذلك لابد أن تكون جميع الظروف مجتمعة بمثاليتها في جميع مباريات الدوري الكروي الممتاز بدون استثناء، وبمعنى أصح لا يجوز إجراء المباريات على ملاعب بارضية متعبة جداً بدون توافر أية اضافات لوجستية في هذا الملاعب، فهي كما هو الحال مع ملعب التاجي مثلاً بدون أنوار كاشفة وأرضية مناسبة ومقاعد جيدة للجمهور أو أماكن مقبولة لتواجد الإعلاميين وقد استعرنا اسم الملعب للدلالة فقط لأن هناك الكثير دونه بالتأكيد.
إن المتتبّع لمسيرة تحضير الأندية المحلية المشاركة في الدوري للموسم الرياضي الجاري 2018-2019 يدرك تماماً أن تلك الأندية على قدرٍ عالٍ من المسؤولية وتبدي اهتماماً كبيراً بتنفيذ ستراتيجية كرة القدم العراقية، وطالبت بمجملها أن تكون الأجواء مثالية لدوري كروي متميّز من ناحية الزمان والمكان والظروف العامة التي تليق به، وتسعى هي من جانبها بكل ما تملك من أجل تطوير فرقها الرياضية وجعلها أكثر قوة للمشاركة في الدوري هذا العام، والعمل على إعداها بصورة مثالية من الناحية الفنية والبدنية والاستعانة بمدربين ولاعبين أكفاء، ولكن ما الذي حدث واسهم بهذا التراجع المخيف الذي صرنا نتمنى أن تجود الصدفة لنا بمباراة كبيرة واحدة.
لقد أعاد اتحاد الكرة اسطوانة كل موسم بدعوى عدم السيطرة على اكمال المباريات بتوقيتاتها المناسبة لظروف خارجة عن الإرادة وتتسبّب بتأجيل المباريات وأهمها مشاركة المنتخبات الوطنية، كما أن تراخيص الملاعب عانت قصوراً هائلاً عِبر لجنتها غير المنسجمة أصلاً وأجازت ملاعب لا تصلح لمباريات الفرق الشعبية في الأصل، انضباط الجمهور لم يكن عند مستوى الطموح، وعانت فرقنا كثيراً من بعض التصرّفات الشاذة التي شكّلت صدمة قوية للدوري بمجمله، وبذات الصدمة كان التحكيم الكروي دون مستوى الطموح أيضاً وتسبّب بنتائج كارثية وأخطاء فادحة، وكان ميزة سلبية لجميع الأدوار.
أمور كثيرة مشخّصة اسهمت بطريقة وأخرى في استمرار عجلة الدوري بالسير البطيء برغم حرارة الجو اللاهب وانتهاء مباريات الدوري في دول العالم حولنا رسمياً، فيما نحن نئنّ تحت وطأة المجاملة وضعف القرار وضغط 20 فريقاً أثقلوا كاهل الكرة بفترات طويلة لا تحتمل أكثر من 16 فريقا على أبعد تقدير بحساب امكانيات الأندية المشاركة والبنى التحتية وغيرها مما هو مشخّص ومثبّت لدى لجنة المسابقات، ولن نصل الى حالة مقبولة ما لم يتم الترشيق ابتداء من الموسم المقبل.