اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بعبارة أخرى: وصايا تصلح لكل زمان!

بعبارة أخرى: وصايا تصلح لكل زمان!

نشر في: 27 مايو, 2019: 12:00 ص

 علي رياح

في أول حوار صحفي لي معه على صفحات مجلة (الرياضي) الأردنية التي كنت مراسلاً لها عام 1980، كنت أطرح الأسئلة التي يحملها فتى في مقتبل العمر يريد أن يتعرّف على البدري بأكثر ممّا يريد أن يعرف عنه من حقائق وأحداث كروية كانت قائمة أو جارية لينقلها إلى القراء!
لهذا ، قال لي البدري في ذلك اللقاء : (دعني أتحدث إليك أنت قبل أن أجيب عن أسئلتك) .. ثم استفاض كثيراً في نصائحه وهو يرسم تلك الابتسامة المعهودة التي لم تفارقه حتى وهو في عز الصراع مع المرض حين التقيته في الدوحة وكان اللقاء الطويل الذي أرجو ألا يكون الأخير بيننا ..
كان البدري ينصح ويرشد ويدلّني على الصواب ويحذرني مما يقع فيه صحفي يمتهن الصحافة ويكتب في مجلة عراقية ومجلة عربية وهو في السادسة عشرة من عمره.. لهذا ترك البدري أعمق الأثر في نفسي ..
في اللقاء الأول ذاك .. كنت مندفعاً متوثباً مثل فوهة مدفع ، أحمل قدراً كبيراً من الأسئلة عن الكارثة التي وقعت وهي خسارة منتخبنا أمام نظيره الكويتي في ختام تصفيات موسكو .. كنت متحمساً ، والأكثر أنني كنت متحاملاً ربما بحكم انعدام التجربة المهنية لديّ، وقد استغلها البدري على نحو فريد كأنه كان يحفر كلماته في قلبي وعقلي ، فكان مما قاله لي :
** لا تنفعل! إذا أردت أن تعمل في الصحافة عليك ألا تصاب بالهوجة التلقائية التي عادة ما تصيب عدداً كبيراً من الجمهور لدى وقوع الصدمة في النتائج . تذكر إنك صحفي وعليك أن تتحلّى بالقدر الكافي من الهدوء حتى في عز العواصف ..
* * أكتب رأيك بتجرد كصحفي وليس مشجعاً على المدرجات . أنتَ هنا تغذي الرأي العام وتشكـّله وأكاد أقول إن الصحفي يقود الرأي العام تماماً لدى وقوع الأزمات . تعلـّم أن تهدأ قبل أن تكتب حتى لو كان قلبك يحترق بفعل الخسارة في كرة القدم!
* * هنالك أشياء يمكن الكتابة فيها أو عنها في الصحافة ، بمعنى يمكن الكشف عنها علانية ، وهنالك ما لا يصح أن يكون موضع التداول .. بعض التحفظ أو الصبر قبل إطلاق الأحكام أمر ضروري للصحفي الذي يتحلّى بالصدق ويريد لنفسه مسيرة نظيفة ويحترمه الناس.
* * نعم أنا متفق معك في أن الخسارة أمام الكويت قاسية ولا يمكن أن يتحملها المواطن العراقي البسيط الذي تعني له الكرة ما تعني .. لكن علينا كإعلاميين أن نرسم شيئاً من الأمل لدى الناس حتى في عزّ الأزمات .. لا تتصور إنني هنا أتحدث عن الهروب أو التهرّب من مسؤولية الخسارة المؤلمة ، لكني أتحدث بمنطق أن غداً يوم آخر وإننا يجب أن نعمل وألا نظل أسرى لخسارة مهما كانت ارتداداتها .. سنعود بعد عشر سنوات أو عشرين سنة وسنتحدث عن الانقلاب القاسي في النتيجة من تقدمنا بهدفين إلى خسارتنا بثلاثة أهداف ، ولكن ماذا سنفعل خلال كل هذه السنين؟ علينا أن نعمل لإبعاد آثار الهزيمة بسرعة ، وهذا درس تعلمته أنا في الكرة بالذات ، وأرجو أن تستوعبه أنتَ ويستوعبه أي صحفي يكتب للناس!
كان البدري يفيض في وصاياه أو نصائحه ، بينما كانت النار تضطرم في نفسي ، وقد حوّلتها الخسارة أمام الكويت إلى فرن كبير يغلي ، فلا استطيع إخفاء مشاعري ، وكانت أسئلتي مُستفـَزّة – بنصب الفاء وتشديد الزاي – لكنني يوماً بعد آخر اكتشفت عمق ما كان يتحدث به البدري ، وكنت أقول : أين تذهب كل هذه الخبرة والسنين والتجارب إذا لم يكن الرجل يتحدث على هذا النحو؟!
* * *
هذا جانب من مقدمة كتابي الجديد (مؤيد البدري .. ذكرى وذاكرة) والذي سيصدر قريبا إن شاء الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram