اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الحياة بوصفها ممارسة للجمال

قناطر: الحياة بوصفها ممارسة للجمال

نشر في: 11 يونيو, 2019: 09:22 م

 طالب عبد العزيز

يكتب هاشمُ تايه، وهو فنّان تشكيليّ وشاعرٌ من الطراز الرفيع عن (معرض الحياة في المدينة) للفنان التشكيلي هاشم حنون، المغترب في كندا، فأسمع الألوان تشدو، وأشم رائحة الزيت وهي تضوع عبر المدى البعيد، وأقرأ آيات الألوان التي فرشتها لوحاتُه في المدن الجميلة،

التي نمرَّ بها، واتصفح جريدة، فأقرأ ما كتبه صديقي الشاعر جمال جمعة عن رحلة المتنبي عبر جبال الشام، مقرِناً الرحلة تلك برحلته التي ابتدأها مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والتي اخترقَ فيها الجبال والثلوج حتى منفاه الأخير، فأجدني وقد تخففتُ من سخونة الأيام المحرقات من حزيراني البصريّ.

هناك، ومن أمكنة أخرى يبعث أصدقاء لي بقصائد وحكايات وصور بما يشعرني بانَّ الحياة ممكنة في مكان ثانٍ. ويرتفع مؤشر السعادة متحدياً الضجر، فقد جاءني أحدُ الأصدقاء من بيروت بنسختين من كتابي الجديد ( من الفندق الى الحانة) وهو كتاب رحلات، صدر عن (دار المدى) قبل أسبوعين، وتبلغ سعادتي أفق كمالها إثر تسلمي نسخة بريدية من الطبعة الثانية لكتابي( تاريخ الأسى) الذي خرج أمس من مطبعة (دار الرافدين). هئنذا أسمع أغنيات باردة تبثها محطة راديو غير دينية، محاولاً بها طرد صوت بائع العتيق، الذي لا أطيقه. يبدو إننا نستطيع العيش خارج ما يخططه سفهاء السياسة في بغداد والبصرة والمدن الاخرى. 

ومع أن أسعار مطعم وبار الشيراتون قائظة وحزيرانية جداً، بما يجعل الدخول لأمثالي من المتقاعدين مستحيلاً، إلا إنني سأذهب الى هناك حال تسلمي مكافأة الجريدة، سأجلس، وأقول للنادل بابتسامة واثقة: (ثنين هنكن) من فضلك، وسأصغي ملياً لصوت فرقعة العلبة وهي تزبد وتتطافح، وقد تشاء الصدف، فيتبرع أحد أصدقائي الأثرياء بدفع أثمانها، وربما يزيد من طبق المقبلات على الطاولة، لدي أصدقاء أثرياء، لكن القليل منهم يأتي الى الأمكنة باذخة الحياة، ومع ذلك عندي أمل بأن يزداد عدد فنادق الأربع نجوم، فالقطاع الخاص نشيط في البصرة، على العكس من قطاع الحكومة، الذي لم يفلح ببناء مقهى محترم للأدباء.

هناك، سعادات بسيطة وعابرة لا نلحظها، فقد استبدل أولادي مصابيح البيت العنكبوتية الكريهة، ذات النور الهالك بمصابيح جديدة، أكثر نوراً، وضوؤها أبيض حليبي. وهكذا بدت الجدران أجمل وأبهى، عندي يقين بأننا، وبمثل هذه وتلك إنما نجدد الحياة، لتصبح ممكنة. أمسكُ بالخرطوم المطاطي قبيل مغيب كل شمس حارة، وأبدأ أطشطش بالماء البارد على العشب الذابل والاشجار النحيلة، هذه الكائنات المسكينة لا تحتمل الشمس أيضاً، لذا، أحاول أن أنعشها، فهي لا تحتمل حرارة الـ 55 مئوي. تقول التقارير بأن الله لم يخلق الإنسان لكي يحيا تحت درجة الـ 50 مئوي، فالاطباء يُهرعون له إذا رتفعت درجة حرارة جسمه أكثر من 38 ذلك لأن حياته ستكون مهددة بشكل خطير.

أكتب مثل هذه، لأقول للذين يمسكون بمقاليد حياتنا، أولئك، الذين صوّروا للناس بان وجودهم على هرم الحكم، إنما تم بامر ربانيّ، مسترشدين بالحديث( كما تكونوا يولّى عليكم): تفوووو عليكم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    الله على تلك المخيلة الخصبة التي تشرح صدورنا. سلمت لنا يا ابا أحمد.

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram