TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: في ذكرى كياروستامي

كلاكيت: في ذكرى كياروستامي

نشر في: 12 يونيو, 2019: 08:41 م

 علاء المفرجي

تمر هذه الايام الذكرى الثالثة لرحيل المخرج الايراني عباس كياروستامي، الذي عد انجازه نقلة نوعية في السينما الايرانية، جعلته يتبوأ مع هذه السينما منصات الفوز في المهرجانات السينمائية العالمية .. لقب بشاعر السينما الإيرانية الذي لايمكن الحديث عن الوثبة الكبيرة للسينما الإيرانية في العقود الثلاثة الأخيرة من دون ذكر منجزه.

ينتمي كياروستامي للجيل الأول الذي حمل لواء التجديد في السينما الإيرانية بداية سبعينيات القرن المنصرم والذي حمل لوائه اسماء مثل مهرجويي، ومسعود كيماوي، وتفوايي وآخرين.

ونقف عند تجربتي كياروستامي الأخيرتين اللتين اختط من خلالهما أسلوبا جديداً في التعاطي مع أسئلة الوجود ، وإن لم يبتعد عن أسلوبه الذي عرف به، حيث اللغة الشاعرية والمعالجة المبتكرة لموضوعاته، والتجريب الذي يسم أغلب افلامه.

فبعد تجربته الفرنسية في (نسخة مصدقة) قبل عامين كانت لي فرصة مشاهدة آخر أفلامه (مثل عاشق) وهو يخوض تجربته اليابانية، في دورة هذا العام من المهرجان.. مغامرة أن يختار صاحب (طعم الكرز) اليابان مسرحاً لأحداث فيلمه هذا.. لكنها مغامرة محسوبة، ربما تمتد إلى إعجاب عبقري السينما اليابانية أكير كيراساوا بأفلامه التي يوصفها بالاستثنائية وكونه – أي كياروستامي – بديلاً لعبقري آخر هو الهندي ساتياجيتراي. 

تفاصيل كثيرة وإيقاع بطيء هما ما يغلفان حكاية الأشخاص الثلاثة أبطال فيلمه الجديد (مثل عاشق)، حكاية لا تقبل المعالجة إلا على يد صانع ماهر مثل كياروستامي، الذي صار يقف في الصف الأول من مخرجي السينما في العالم.

بعد (نسخة مصدقة) الذي اختار له جغرافياً جديدة خارج بلده وأبطالاً لا يتحدثون لغته، فإنه يذهب هذه المرة إلى أقصى الشرق، إلى اليابان ليسرد لنا تفصيل حكايته التي تتلخص بفتاة تبيع جسدها لتغطية مصروفات دراستها وعشيق منفلت لا يتوانى عن ممارسة العنف لأي سبب، وبروفيسور يقيس الوحدة ويبحث عما يمكن أن يمنح حياته معنى.

وإذا كان بعض النقاد قد أخذ على الفيلم إيقاعه الرتيب، وحدثه المهمل، وشخصياته غير الفاعلة... فإن كياروستامي تعمد معالجة هكذا موضوعة بهكذا مكان.. وكان لا بد لمتلقي هذا الفيلم أن يقف عند إهدائه الفيلم إلى احد كبار صانعي مجد السينما اليابانية ياساجيرو اوزو، صاحب أفلام (أيام الصبا) و(فندق من طوكيو) الذي تركزت جل أفلامه على موضوعة العائلة، وهي الموضوعات التي حاول بها اوزو صرف انغماس اليابانيين بآثار الحرب والهزيمة التي لحقت ببلدهم.

تبدأ حكاية الفيلم من ملهى ليلي ترتاده فتيات الليل.. وحديث عبر الهاتف لبطلة الفيلم اكيكو (الممثلة اليابانية رين تاكتاشي) وهي ترفض دعوة زبون.. ثم توافق في النهاية.. لنتعرف في ما بعد على هذا الزبون وهو أستاذ جامعي ومترجم يعيش وحيداً في شقته.. وكما في فيلمه (نسخة مصدقة) يعتمد كياروستامي الحوار الطويل الذي لا يمله المشاهد وهو مصحوباً بحركة رشيقة للكاميرا، وأداء مذهل للممثل ثم يلتقي العجوز بصديق البطلة (تاراشي اوكونو)، الميال إلى العنف. ويتوزع الحدث في هذا اللقاء، ثم الاعتداء على اكيلو من صديقها.. ثم محاولة هذا الأخير اقتحام شقة العجوز والفتاة. 

يرصد كياروستامي تفصيل الحياة في اليابان، وانهيار القيم في المجتمع المعاق.

فيلم عن الوحدة والضجر، هو أيضاً عن أسئلة الوجود التي لا تنتهي. يحاول فيه كياروستامي إبراز قدرته على استكناه الهم الإنساني من خلال أحداث ربما تبدو مهملة للبعض.

يثبت كياروستامي مرة أخرى إنه جاء إلى السينما ليترك أثراً ويقدم درساً في السينما.. وبالتالي لا يهم إن كان حدث الفيلم هنا أو هناك، فليس ذلك ما يشغل مخرجاً مثله. فهو في هذا الفيلم يقتفي أثر سلفه الياباني (اوزو)، فيما خص انشغاله بالتفاصيل، بل والمهمل منها طالما إنها في النهاية تجل حقيقي للهم الإنساني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram