لطفية الدليمي
سمع معظمنا عن خدمة الجيل الخامس من الشبكة التواصلية العالمية G5 بكلّ ماستقدّمه من قدرات هائلة في التواصل المتوافق مع عصر البيانات الضخمة الذي سندخله عمّا قريب ،
قد لايكون معظم الناس مولعين بالتفاصيل التقنية - وحتى الحروب التجارية - بين المراكز التقنية المعولمة بشأن هذه الخدمة ، ولايعد هذا منقصة ثقافية ؛ فالناس في معظم جهات العالم إنما يهتمون بكيفية التعامل السليم والفعال للتطبيقات التقنية المتاحة أمامهم للحصول على أعظم الفوائد الممكنة منها .
هناك أيضاً جانب سيكون له تأثيره المباشر على الثقافات الإنسانية وهو الشروع في إتاحة خدمة الشبكة العالمية مجاناً للجميع بطريقة أقرب إلى البث التلفازي الفضائي ؛ إذ يرى العديد من الخبراء أنّ توفير هذه الخدمة ينبغي أن يُعدّ أحد الحقوق الثابتة للإنسان أينما كان على هذه الأرض وبخاصة ونحن ندخل عصر الثورة التقنية الرابعة التي توصف بعصر " الإنسانية العابرة للكائن البشري " . نشأت مع استخدام الانترنيت في منطقتنا العربية ( وفي العديد من مناطق العالم المشابهة لنا ) ظاهرة " الطفيلية التقنية " : فنحن لانكتفي بعدم مساهمتنا بأيّ إنجاز في الثورات التقنية ؛ بل يعمد بعض المستغلين للاستحواذ على حصة له ممّا تجود به هذه الثورات التقنية ، ومن الطبيعي أنّ هذا البعض (وهُمْ أناس بلا تدريب ثقافي أوتقني أو علمي ) يتعاملون مع هذه الثورات مثلما يتعامل الدلالون في ( علاوي ) بيع الفواكه والخضار .
لننظر إلى أية مدينة عربية ولنأخذ بغداد والقاهرة مثالاً : حيث تنتشر الأبراج الخاصة بالإنترنيت على مبانيها بطريقة كثيفة وبشعة وعشوائية ، يتصارع أصحابها للإستحواذ على الزبائن بطرق لاتخلو من خسّة وفساد وليس من رابطة تجمع هؤلاء سوى الخدمة السيئة التي يقدمونها للمشتركين بسبب جشعهم وتماديهم في الحصول على أكبر عدد من المشتركين من غير زيادة سعة الحزمة التي يستخدمونها ؛ فلا يحصل المواطن إلا على أسوأ خدمة ، مقابل مبالغ كبيرة يتقاضاها الجشعون لسرعة انترنيت بطيئة ومتقطعة لايمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال مع خدمة شبكة الجيل الخامس في أرقى البلدان المتقدمة .
لايمكن إستثناء الحكومات من اللوم ؛ فهي الجهة المسؤولة عن ترتيب الوضع القانوني الذي ينبغي أن يتماشى مع كلّ ثورة تقنية مستحدثة؛ لكننا تعلمنا منذ زمن بعيد أنّ اللوم لايجدي مع حكومات تفتقر إلى الرشد وهي تكرّس كلّ يوم مايؤكّد الجشع والتواطؤ مع المستغلين وعدم اكتراثها بتقديم أفضل الخدمات لمواطنيها كما تفعل حكومات الدنيا .
في بلداننا المتهالكة تتحوّل الثورات التقنية التي تشكّل إنعطافات ثورية في تاريخ الجنس البشري إلى وسيلة لثراء مجموعة من الجهلة في غياب قانون يكفل المسؤولية مقابل الخدمة الجيدة ! بالتأكيد لم يسمع هؤلاء المتطفلين الجهلة على التقنية بإسم ( تيم بيرنرز لي ) ذلك الفيزيائي العظيم الذي كان يعمل في مختبرات (سيرن) قرب جنيف وهو من وضع الترتيبات الأولى لعمل شبكة الإتصالات العالمية ، وقد عرضت عليه شركات الإتصالات مبلغ مليار دولار في تسعينات القرن الماضي بقصد إحتكارها لهذه الخدمة وتحويلها إلى منتج يباع للناس ؛ فرفض رفضاً قاطعاً .
كلّ المجد لِـ ( بيرنرز لي ) ونظرائه من الطهرانيين النادرين ؛ أما هذه الطفيليات البشرية التي تتواطأ على ابتزاز الناس في بلداننا لقاء خدمة تقنية سيئة فلا رادع لها غير (إيلون ماسك) وأمثاله ممن سيجعلون خدمة الإنترنت فائقة السرعة متاحة بالمجان قريبا لكل سكان كوكبنا.