علاء المفرجي
تختار فرنسواز ساغان شخصيات معروفة، قابلتها في حياتها وأعجبت بها، فتكشف بذلك جانباً من سيرتها، في كتاب «مع أطيب ذكرياتي»، الصادر عن دار «المدى»
بترجمة عباس المفرجي. عشرة نصوص عن لقاءات وذكريات في حياتها، وكأن فرنسواز ساغان أرادت أن تتذكر فقط اللحظات السعيدة في حياتها والأشخاص الذين أحبتهم: بيلي هوليداي، أورسون ويلز، كارسون مكوليرز، ماري بيل، رودولف نورييف، تينيسي ويليامز... جان بول سارتر.
وهي ترسم الصورة الحساسة لهؤلاء الأشخاص الذين كانت تحبهم: بيلي هوليداي الصوت المؤلم، الممزق لأميركا السوداء، الصوت المهيِّج، الأجش كما في أنقى حالات الجاز، وأورسن ويلز، الغول الذي قام بسحبها «تحت ذراعه مثل حزمة غسيل، بحجة أنه لم يكن يريدني أن أدهَس بسيّارة، وحملني عبْر الشوارع، هادراً وناهراً، يتدلّى رأسي من جانب وقدماي في الجانب الآخر». وسارتر الذي كتبت له رسالة حب - إعجاب، والذي كانت تراه يرفض بعناد كل أكاليل الغار المعنوية وكل المكاسب المادية من مجدك، «رفضتَ الشرف المزعوم لنوبل، بينما كان يعوزك مادياً كل شيء، أصبتَ ثلاث مرّات بانفجارات بلاستيكية عند الحرب الجزائرية، رُميِتَ في الشارع دون حتى أن يطرف لك جفن».
اختارت ساغان شخصياتها المحببة مثل اختارت الطريقة التي تعرضهم بها لنا، ليكونوا الجانب السعيد والحميم من حياتها، هي ترى أن «هناك ذاكرة انتقائية وكلّ منّا ينتخب الأحداث، محتفظاً بالسعيدة وناسياً الشقيّة - أو العكس بالعكس -، ذاكرة لا تأنف أحياناً من طلب يد العون من المخيلة. حينذاك فحسب».
تاتي ساغان في كتابها على جورج أورسن ويلز (1915-1985م)، وهو الممثل والمخرج والكاتب والمنتج الأميركي، الذي قدم إلى السينما «المواطن كين» عام 1941م، الذي صُنِّف بكونه أعظم فيلم في تاريخ السينما. في عام 2002م، انْتُخِبَ أورسن ويلز أعظم مخرج سينمائي في كل الأزمان من قبل معهد الفيلم البريطاني – المترجم.
تقول عن ساغان "ولن يبقى أمامي سوى أن أتبعه. العدد الصغير، الصغير جداً من الأوهام التي كنت ربما فقدتها عن الرجال، وبمجرد حضوره عادت فوراً من جديد. كان ضخماً، كان عملاقاً في الواقع. كانت له عيون صقر، ضَحِك بطريقة راعدة وأجال بطرفه في ميناء كان، في حشوده الضالة ويخوته الفاخرة، بنظرة لاهية ومتقززة في الوقت ذاته، نظرة صفراوية لأجنبي.
خلال الأعوام التي تلت ومن فرط ما رويت هذه الحكاية المثيرة حين الحديث عنه، أنتهي بالتساؤل ما إذا كانت حدثت فعلاً: هناك ذاكرة انتقائية وكلّ منّا ينتخب الأحداث، محتفظاً بالسعيدة وناسياً الشقيّة – أو العكس بالعكس –، ذاكرة لا تأنف أحياناً من طلب يد العون من المخيلة. حينذاك فحسب، حين رأيت ويلز ثانية، بعد أعوام، في باريس، في حدائق للوكسمبور، حيث جاء يقلّني لنذهب سوية إلى للغداء، حينذاك فحسب، حين طواني تحت ذراعه مثل حزمة غسيل، بحجة أنه لم يكن يريدني أن أدهَس بسيّارة، وحملني عبْر الشوارع، هادراً وناهراً، يتدلّى رأسي من جانب وقدماي في الجانب الآخر، حينذاك فحسب استطعتُ في النهاية التأكّد من صحّة ذكرياتي الأولى عنه... لكن تلك هي قصة أخرى.
بالعودة إلى كان، في ذلك العام الذي فشلت في تحديده حيث قدّم هو على أي حال «Touch of Evil» ، بالعودة إلى ذلك العام، ذهبنا فعلاً للعشاء في البون أوبيرج مع صديقي ذاك، إضافة إلى زانوك المفعم بالحب، وغريكو المفعمة بالفكاهة، وويلز المفعم بالديون. كان فيلمه الأخير توقف في منتصفه بسبب الافتقار إلى الدعم، وكان هو يتوقع تقريباً أن يقنع هذا العشاء داريل زانوك (بتسليفه كونه واحداً من أكثر منتجي هوليوود نفوذاً) في ترتيب الأمور. خلال نصف ساعة، كما أعتقد، كانت الوجبة إلى حد ما هادئة: رأينا سلسلة لا تنقطع تختال كما راقصي الباليه من أور-دُوفْر ، وهو من قائمة الوجبات الخاصّة للمكان، علّقنا في الفرانكو-أنغليه على ما حصل في تلك الظهيرة. ضحكنا، الكلٌّ كان مضحكاً. ومن ثم بانحراف محتوم، دار الكلام عن السينما بشكل عام، ثم عن الإنتاج، ثم عن دور المنتجين في السينما."