TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: كم ( نِكْ بوستروم ) خسرنا ؟

قناديل: كم ( نِكْ بوستروم ) خسرنا ؟

نشر في: 22 يونيو, 2019: 08:01 م

 لطفية الدليمي

أعكف هذه الأيام (حزيران 2019 ) على ترجمة عملٍ بعنوان ( الفكر العابر للإنسانية : تأريخ موجز ) كتبه البروفسور ( نِك بوستروم ) .

لستُ هنا معنية بالحديث عن مفهوم ( الإنسانية العابرة للكائن البيولوجي ) ؛ فذاك أمر سيأتي أوانه بالتأكيد في الكتاب ؛ لكنني معنية هنا بمؤلف العمل - البروفسور ( بوستروم ) ذاته . 

أحرص قبل كل عمل ترجمي أباشره - وأحسبني أتشارك هذا مع كلّ المترجمين - بإجراء خارطة مسحية تفصيلية للمؤلف، وغالباً مايكون لي معرفة مسبقة عامة عنه؛ لكن ثمة فرق بين المعرفة العامة وتلك التفصيلية التي تسعى لمعرفة التفاصيل الصغيرة ، وينسحب البحث إلى المادة المترجمة ذاتها، أعجِبتُ كثيراً بالسيرة الذاتية للبروفسور ( بوستروم ) وهي سيرة تليق بمفكّر موسوعي يستحقّ توصيف مثقف حقبة مابعد الإنسانية التي أصبحنا نقف اليوم على تخومها ونحن ندلف عصر الثورة التقنية الرابعة . 

يعمل البروفسور ( بوستروم ) أستاذاً للفلسفة في جامعة أكسفورد ، وقد أسس مركز أبحاث ( مستقبل الإنسانية ) في هذه الجامعة . تخبِرُنا سيرته الذاتية إنه ولِد عام 1973 في السويد ، وكان كارهاً للمدرسة منذ صباه وأمضى سنواته فيها على مضض ؛ لكنه لم يتحمل بقاءه فيها آخر الأمر، فأمضى السنة النهائية من المدرسة الثانوية يدرس في المنزل دراسة ذاتية ، وقد فتحت له هذه السنة أبواباً مغلقة؛ فما كان منه إلا أن اغتنم الفرصة وراح يعلّم نفسه مباحث شتى في الأنثروبولوجيا والفن والأدب والفلسفة والعلوم ( الرياضيات والفيزياء بخاصة ) ؛ بل حتى إنه قام بأداء بعض العروض المسرحية الكوميدية في أحد المسارح اللندنية الجوّالة ! . 

حصل ( بوستروم ) على شهادة البكالوريوس في كل من الفلسفة والرياضيات والمنطق والذكاء الإصطناعي من جامعة غوتنبرغ السويدية عام 1994، ثمّ أردفها بشهادتي ماجستير في كل من الفلسفة والفيزياء من جامعة ستوكهولم عام 1996 ، ثمّ أضاف لها شهادة ماجستير ثالثة في السنة ذاتها ( 1996 ) في حقل العلوم العصبية الإحتسابية من كلية الملك في لندن، ثم توّج مسيرته الأكاديمية بشهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 2000 من مدرسة لندن للإقتصاد ، ومنذ ذلك الحين شغل البروفسور ( نوستروم ) مواقع أكاديمية مرموقة في كبريات الجامعات البريطانية والأمريكية ، ويعدّ الأب المؤسس لحركة ( الإنسانية العابرة للكائن البيولوجي الحالي ) وكتب في هذا الميدان عشرات البحوث؛ بل أنه كتب ( إعلان الإنسانية العابرة ) الذي ضمّنه في الكتاب الذي أعمل على ترجمته وأشرت إليه في مفتتح المقالة . 

ليس البروفسور ( بوستروم ) مثالاً غريباً في ميدانه ؛ فثمة الكثير من أمثاله في زمننا . إنّ مايثير حزني وألمي كلّما قرأت عن أمثال ( بوستروم ) هو التساؤل التالي : ماذا لو وقف طالب عراقي لامع أمام أبيه وقال له : أبي ، لم أعد بحاجة إلى المدرسة وأريد أن أتعلّم ذاتياً ! هل يبدو أمراً معقولاً أننا لم نشهد ( بوستروم ) عراقياً ؟ كلا ، لابد أنّ هناك المئات من هذا العبقري وربما الآلاف، غير أن ( بوستروم ) العراقي كتم صرخته ونبوغه في قلبه حتى خذل نفسه أو خذلته الحياة العراقية بأوضاعها القاسية، وانتهى به الأمر ليبتلعه التراب باكراً أو لينتهي مخذولاً ونسياً منسياً .

هل تقدّرون كم ( بوستروم ) عراقياً خسر نفسه وخسرناه؟ 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram