ستار كاووش
أجنحة الأحلام والطموحات تحلق فوق رؤوسنا دوماً مثل فراشات ملونة، وستبقى تدور في فضائنا الى الأبد مادامت جميلة ومشروعة.
وكل الانجازات الكبيرة بدأت بأحلام صغيرة تحققت بعد أن وجدت أرضاً خصبة أزهرت فيها، ليصبح لها تأثير وحضور ومكانة بين الناس. وهذا ينطبق بالتأكيد على الأحلام التي تتعلق بالثقافة والفنون وتطورها وتأثيرها. وبما أن الفن التشكيلي يشكل جانباً أساسياً من تاريخنا، ونحاول جاهدين ان نجد له طريقاً ومكانة وسط ما يحدث من تناقضات في البلد، لذا يطمح الكثيرون للنهوض بالفن التشكيلي ووضعه في المكان الذي يليق به، وضمن هذه التطلعات، السعي لإعادة بينالي بغداد الى الحياة بعد توقفه سنوات طويلة.
لكن هل تكفي نوايانا الطيبة هذه وحدها لتحقيق ذلك؟ وهل بإستطاعة طموحاتنا المشروعة أن تدرك أرض الواقع، بينما أقدام الوطن يسحبها معممون وغير معممين نحو طرق تبعِده عن الثقافة والحداثة؟ وأن إفترضنا أن البينالي سيقام في السنة القادمة، فأين سيتم العرض ياترى؟ وهل لدينا مؤسسة ذات إمكانيات كبيرة تعنى بالفن التشكيلي وفيها مساحات تناسب كل أنواع الأعمال والعروض؟ هل نملك الآن إدارة محترفة للتصدي لهكذا عمل؟ ثم هناك التمويل الذي يغطي النفقات، هل ستوافق الحكومة عليه؟ ألدينا علاقات واسعة خارج البلد مع الفنانين والمؤسسات الفنية والمتاحف وقاعات العروض؟ هل نعرف الفنانين الكبار في الخارج ونتواصل معهم؟ ومع ذلك فدعوة الفنانين المرموقين من خارج العراق للمساهمة لا تكفي، بل علينا أن نمنحهم إحساساً وثقة بالأمان، سواء لهم أو لأعمالهم في بلد تناهبته الحكومة والظروف الصعبة التي يعرفها الجميع. وإن استطعنا تحقيق كل ذلك، فهل بمقدرتنا الابتعاد عن التكتلات التي جعلت هذه المجموعة من الفنانين تنتمي الى فلان وتلك الفئة يقودها علان. من يقوم بإختيار الفنانين المشاركين؟ هل هو نفسه من وضع نفسه عراباً للفيف من الفنانين حتى تخيلوا إنهم يملكون صك الغفران الفني بإعتبارهم خلاصة الفن والصفوة التي لابد منها؟! وهل سيدير لجنة التحكيم شخصاً من إختصاص بعيد عن الفن التشكيلي كما حدث في بعض المسابقات؟ هل هناك إمكانية توفر مطبوع أو كتلوك ملون ومناسب يغطي الفعالية؟ من سيدير الندوات؟ ومن سيصاحب الضيوف للإطلاع على معالم البلد؟
ما فائدة بينالي يلتقي فيه (الاحباب) كأي لقاء إرتجالي، فالعملية ليست (لايك) للوحة على فيسبوك تعبيراً عن إعجاب عابر، بل مسؤولية كبيرة بعيداً عن الأهواء والميول الشخصية. هذه الأسئلة وغيرها حين نجيب عليها بحيادية ومحبة وحرص، سنضع أقدامنا علـى عتبة أول بينالي عراقي ننتظره. ربما سيقول قائل: ماهذا البطر الذي تعيش فيه وأنت تشير الى كل هذه المطالب حول معرض فني للرسم؟ وليسامحني هذا البعض لأن طلباتي تبدو قد تجاوزت الحد المطلوب، لكني أتحدث هنا عن بينالي للفن وليس معرضاً في قاعة منزوية يجتمع فيها بضعة فنانين يعلقون لوحاتهم بإنتظار الجمهور، وانتهى الأمر.
أول بينالي في العراق أُقيمَ سنة 1986 والثاني سنة 1988 ليتوقف بعدها الى الابد بسبب ظروف البلد. واتذكر أني قد اشتركت في البينالي الاول بثلاث لوحات. كان حدثاً مذهلاً في تنظيمة ونوعيته وتأثيره، حيث أقيم في مركز الفنون الذي كنا ننظر اليه كواحد من افضل الصروح الفنية في الوطن العربي، لكني بعد ان سافرت ورأيت المتاحف والمؤسسات والمراكز الفنية في العالم تيقنتُ ان ذلك الصرح كان واحد من اهم ما موجود في العالم.
قبل أن نمسك بمزمار الأمنيات، علينا أن نتعلم العزف أولاً، وإلا ما جدوى المضي في مشاريع من هذا النوع في بلد مازال جانب كبير من المتسلطين عليه لم يحسموا أمرهم حول تحريم أو تحليل الرسم والفن بشكل عام؟ فحين نتمكن من إقناع الحكومة بأن الرسم ليس حراماً، بل هو جزء مهم من مكانة البلد وتاريخه الذي ابتدأ بالنحت والرسم قبل سبعة آلاف سنة، عندها يمكننا الحديث عن بينالي بغداد القادم.