اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: فـي مديح بغداد التي على دجلة دائماً

قناطر: فـي مديح بغداد التي على دجلة دائماً

نشر في: 22 يونيو, 2019: 09:19 م

 طالب عبد العزيز

في بغداد التي أدخلها مرة أو مرتين في السنة، أراني جديداً، أنظر الى وجهي في المرآة فاجده بسمرة أقل، هناك شيء من بياض في بشرتي غيّرت ألوانه شمسُ البصرة المحرقة،

أمرر يدي على شعري بعد كل حمّام، فيتغير ملمُسه، شيء من لين وطفولة في الماء الذي تغرفه محطات الإسالة من دجلة العظيم فيرطب كل ما حولها حولي، لا أكتب مديحاً، فقد يجد بغداديٌّ أصيل فيها غير ذلك، في بغداده، التي تغيرت في الزمن وتراجعت كثيرا في العقود الأخيرة الماضية.

لا أجدني فرداً في مديحي للمدينة الخالدة بروح وضمير كل عراقي شريف، فهذه مدينة تجدد نفوس ساكنيها وزائريها على حد سواء، إنما أشرك في ذلك المديح أصدقاءً ومحبين، من الذين التقيتهم فيها، والذين قدموا من المانيا وفرنسا وشاركوني الفعاليات الثقافية، التي أقامها المركز الثقافي الفرنسي بالتعاون مع معهد غوته الألماني، احتفاءً بإصدار كتاب انانا -الجزء الثاني، لأديبات عراقيات. ولعل مصادفة اقامتنا في فندق بغداد المطل ببهائه على نهر دجلة، لعل النادلة التي قدمت البيرة لنا في بهوه الليلي أضفت وتضفي الكثير علينا، بما احالنا الى بغداد التي ظلت قابعة بجمالها كله في المخيال الإنساني، يوم كانت مشرق نور الكون وغيمة الألق التي لا تغيب.

حرص الأصدقاء الأوربيون على أن يكونوا في المتنبي صباح الجمعة، ولم تكن الشمس الحزيرانية عائقاً، ثم انهم سبقونا اليه، لم نتمكن من النهوض باكراً، فقد تعتعنا السكر في الليلة قبل البارحة، وغلب النومُ الشهريارَين البصريَين فسكتت بغداد عن الكلام المباح، وطلع الصباح علينا من شرفة تطل على دجلة. ومن ذا يقاوم سحر صباح بغدادي يهبه دجلة العظيم، أنّى لهذا الجسد المضنى أن لا يظل نائماً في سرير لا تتكر الصباحات الجميلة عليه كثيراً. لكننا، وقبل أن يصيح خطيب ُوإمامُ جامع الحيدر خانة بالناس الى الصلاة، كان سائق الأجرة قد بلّغنا مرادنا على عتباته، فدخلنا الشارعَ من قصيدة على الماء، تحفُّ قدمي الشاعر المتنبي الكبير، كان سراي الكتاب عامراً، وباعة الجمال في كل مكان، ومتبضعو الحكمة من حولنا، يطوفون في المتاح من الأمكنة.. وكان للناس عيد.

أنا لا أكتب مديحاً، ولن أنكأ جرحاً في بدن المدينة، أنا هنا لأحتفل مع نفسي ببغداد روحي، لكنَّ زوجة السيد فنسنت مدير المركز الثقافي الفرنسي ما انفكت تتصل به، تسأله ما إذا كان بخير حتى الآن، وهو الضحوك، ذو الوجه الطفلي. يقول بأنها تتصل به عقيب كل عشر دقائق، فيجيبها بأنه ما زال بخير، وأن المدينة ما زالت آمنة، وأن الناس يمضون يومهم بفرح غامر. بدا لي أنها لا تصدقه، ذلك لأن صورة بغداد في وسائل الإعلام مشوهة جداً، كما أنني لست على يقين بأنه ظل مصدقاً أن حياته في بغداد على الدرجة هذه من الأمان. مقلق أن تكون صحبة أصدقاء في مدينة لا يمكنك ضمان حياتهم فيها. ربما نكون نحن، العراقيين استمرأنا حياة الخوف، أو اللامتوقع من الحياة والموت فيها، لكننا، محبطون من رؤية مدننا غير آمنة. أتحدث عن الصاروخ الذي أُطلِقَ على احدى الشركات النفطية في البصرة، عن المعلومين الذين أطلقوه فصمتت عنهم الحكومة، هذه التي تصمت عن مواعيد موتنا ايضاً. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram