علي رياح
لم تف قمة الزوراء – الجوية من الناحية العملية بأية وعود جمالية ، خلافاً لما كان عليه الحال في كثير من المواجهات السابقة، فظهرت أرجحية الصقور طبقاً للحافز والتوقعات،
بقصد الثأر في مقابل ركون الزوراء إلى اللعب (المنظم) في الخلف معظم الوقت ، ربما للحفاظ على آثار المكسب الرباعي في المواجهة السابقة!
وكلمة (منظم) في أسلوب الزوراء ما هي إلا تعبير عن الخوف من الخسارة .. والنتيجة إننا لم نشاهد كرة قدم ترقى إلى مكانة القطبين ، وشاهدنا بدلاً من ذلك تدخلات ونزاعات ومواجهات ثنائية بعيداً عن الكرة وقريباً منها ، كان أبطالها نجوم دوليون يلعبون في المنتخب العراقي ولا يصح أن يفتح التنافس في النتيجة باباً لتشويه الصورة أمام عشرات الألوف من مناصري الناديين وكذلك الملايين التي كانت تشاهد عبر الشاشة ما يمكن أن يفضي إليه الكلاسيكو!
بتقديري إن الشحن الجماهيري الزائد عن حدّه خلال السنوات الأخيرة هو السبب في تفريغ المباراة من العناصر الفنية المفترضة أو اللمحات التي كنا نتطلع إليها بصرف النظر عمّن يفوز في خاتمة المطاف .. هذا الشحن كنا نحن الإعلاميين سبباً في إيجاده ، وفي تفعيله ، وإلى الدرجة التي نعجز فيها الآن عن السيطرة عليه أو الحدّ من نفوذه ، ولهذا صارت السمة المشتركة لمباريات الفرق الجماهيرية ذلك التشنّج المفرط داخل الملعب ، وهو ما يدفع اللاعبين إلى تناسي موجبات المباراة وحسمها بدلاً من التدافع وتصفية الحسابات على نحو يخلو كثيراً من (الأدب) الرياضي أو الاجتماعي الذي نتوسّمه في كثير منهم ونحن نعرفهم خارج الملعب على نحو يثير الإعجاب ، بينما يتقمّصون الدور في هكذا مباريات ليخرجوا عن طورهم ، لتنتقل الصورة إلى المدرجات حيث صرنا نعيش العجب هناك!
قمة الزوراء – الجوية مخيّبة بكل المقاييس ـ لا لسبب إلا لأن الجميع يتهافت نحو أي فوز وأية نتيجة حتى على حساب المظهر الإيجابي والعلاقات بين (الزملاء) اللاعبين ، وهي علاقات ينبغي أن تكون مترفّعة عن الصغائر التي تفسد – بالنتيجة – المناخ الكروي العام!
***
من (القـمّـة) إلى (الغـمّـة) التي باتت تثقل كاهل الكرة العراقية مع بروز الحديث عن التزوير والعبث بقيود العشرات من اللاعبين وبينهم نجوم على جانب كبير من الأهمية في منتخبنا الكروي الذي تنتظره تصفيات آسيا – كأس العالم المزدوجة!
اللافت أيضاً أن إعلامنا الرياضي الذي يثير القضية بين مدة وأخرى .. مرّة بصفاء نية وبهدف الحث على اللاعب النظيف بأعمار حقيقية حفاظاً على المواهب ، ومرّات بقصد تصفية حسابات شخصية ضيّقة مع اتحاد الكرة القدم الذي يتحمّل الجانب الأكبر من المسؤولية في التلاعب بأعمار اللاعبين تحت ذريعة السعي إلى إنجاز ، لكنه لا يتحمل المسؤولية وحده .. فهنالك قواعد اللعبة من اللاعبين أنفسهم إلى ذويهم ، الى إدارييهم ومدربيهم وفقاً لكل التدرّجات التي مرّوا أو يمرّون بها .. ولهذا فإن قضية التزوير تأتي لتكون مصداقاً للقول (يا عزيزي .. كلنا لصوص) مع المباعدة بين اسم الفيلم المصري هذا وبين اللصوصية التي تمارس في ملاعبنا بهذا الشكل المريع المكشوف!
الإعلام يفتح ، في كل مرّة ، ملفات التزوير .. ويختار لها توقيتات غاية في الحرج .. ولكنه وبعد أن يستنفد كل أسلحته وأغراضه ويكشف كل مستور ، يعود عن دعوته إلى فضح كل شيء ليقول : لا يصح أن ننشر غسيلنا .. دعونا نتستر على الأمر ريثما ننتهي من البطولة المقبلة وعندها يكون لكل حادث حديث!
إنها مفارقة عجيبة لا استطيع فهمها فضلاً عن هضمها .. فأين تكن المصلحة الحقيقية هنا إلا إذا كانت مصلحة محدودة ضئيلة تزيد وضعنا تعقيداً على تعقيد ، ولا تكشف عن منهج واضح يتبنّاه الإعلام في التصحيح من الجذور مهما يكن مردودنا في أي استحقاق مهما بلغت أهميته أو قيمته!