TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: لنرجع عراقييّن رافدينيّين

قناطر: لنرجع عراقييّن رافدينيّين

نشر في: 25 يونيو, 2019: 08:07 م

 طالب عبد العزيز

لم تُتَحْ لي زيارةُ المتحف الوطني العراقي بعد أحداث العام 2003 لكنني، وفي زيارتي الاخيرة لبغداد وقفت واجماً، مذهولاً عند العظمة التي كانت يوما لنا،

وبين يدي المجد الذي كان نسبنا يوما، فقد دخلت المتحف صحبة فريق عمل خاص، وأمام الأعمال الانسانية الفريدة لم أمسك دموعي فانقطعت عنهم. كانت ريح الحضارة تأتيني في صورة ختم رسم قبل خمسة آلاف سنة، وكانت القطع الآثارية تمدُّني بنسغٍ عبقري خفي، صعّد من أحماض الجسد، وغيّر في تركيبة النفس التي كنتها قبل دخولي، فقد أعادني الى الجنوب مرةً، الى أور وسومر، حيث خطَّ هناك اللوحُ الكتابي الأول، وثانيةً الى بابل وشارع الموكب والأسوار العملاقة، حيث كانت الشرائع والقوانين، والى أشور والنمرود حيث كانت المملكة العظيمة تطير بجناحين سماويين.

لن أتجرد من عواطفي كثيراً، ولن أنفي انتساب غالبية العراقيين الى الجذر العربي في اليمن أو الحجاز، لكنني رحت أتأمل وجوه العراقيين الذين معي في قاعات المتحف، واعقد المقارنات بين صورة الإنسان العراقي الاول وصور أصدقائي من العراقيين، الذين معي في المتحف الساعة هذه، فكانت المقاربة ما أذهلني بشكل كبير، الوجه والفكين والأنف والعينين ذاتها. تذكرت إنني زرت جناح الفرعونيات في المتحف البريطاني بلندن، ورحت مقارنا بين صورة وجه الانسان المصري الذي نطالعه في الشارع بالقاهرة وصور المومياوات والرسوم التي تزين جدران المتحف، حيث لا تساور المشاهدَ الشكوكُ بامكانية عقد القرائن، إذ سيكون الانسان واحداً، وهو هو في الامس واليوم وقبل آلاف السنين. النتوء العظمي، أسفل العينين، الذي يميز الوجه، العلامة الدالة على شكل الوجه المصري، هو ذاته في الصورتين، وهكذا، لن نذهب عميقاً في فكرة الهجرة من الجزيرة العربية الى هناك.

فكرة القومية التي أسس لها بنو أمية في بلاد الشام، وحظيت بعناية فائقة لدى عبد الملك بن مروان وعامله الحجاج في البصرة بخاصة، هي التي استمد منها القوميون العرب فكرة العرق والدم والانتماء العربي فيما بعد، وهي ذاتها التي لاقت التناغم في قضية صفاء ونقاء دم القبيلة الواحدة، التي روج لها الشوفينيون والجهلة الصغار من شيوخ وامراء، والتي ما زالت قائمة عند كثير منهم، يشهرونها راية قبيحةً عنوانها التضييق وتهميش الآخر وطرد غير العربي من نعمة (الصفاء والنقاء) ذاك. الأمر الذي فاقم من شعور العربي بتفوقه ودونية غيره ورسمه لحدود وجوده قبلياً على في الرملة أو الشِّعب الذي يسكنه، وبما أفقده لحسه في الانتماء والإخلاص للأرض الكبيرة (الوطن) ثم جاء الدين وجاءت الطائفة وجاء معهما كل تقليص لفهم الانتماء .

لن يخسر العراقي شيئاً إذا غلّبَ(أنتماءه)الى جذر عراقه الاول، بتاريخه وماضيه وحضارته وإنسانه، وسيكون مع وجوده الميزابوتيمي هذا الأكثر قبولاً في العالم، بوصفه هوية علياً، لكنه سيخسر الكثير من وجوده إذا ما ظل مغلّباً (اختياره) الى محيطه العربي على حساب جذره العراقي، نحن عراقيون قبل أن نكون عرباً. لا يمكنني تصور الفكرة القائلة بأن العراقيين جميعاً قد نزحوا من شبه الجزيرة، هذه فرضية قاتلة لنا، وقد عانى منها العراقيون، لسنا جميعاً يمانيين ولا حجازيين ولسنا فرساً أوغير ذلك. مصر فرعونية تتكلم العربية والعراقي رافديني يتكلم العربية. رافدينيتنا تخلصنا من شرور العِرق والطائفة والقبيلة، آن لنا أن نخلص من المسميات القبيحة هذه التي أورثتنا الكراهية والبغضاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram