TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: عراقيّون لايحبّون العراق

قناديل: عراقيّون لايحبّون العراق

نشر في: 6 يوليو, 2019: 06:49 م

 لطفية الدليمي

يدلّنا الخراب المقيم الذي بات يرزح فيه العراق والعراقيون على حقائق كثيرة ؛ لكنّ الحقيقة الكبرى - كما أحسب - هي أنّ الكثرة العظمى من العراقيين لايحبّون العراق

ولايكترثون بكلّ معالم الدمار والتخريب التي حلّت به سواءٌ أكانت خبيثة مقصودة أم نتاجاً للجهالة والسفاهة واستباحة كلّ أنساق القوانين الراسخة والأعراف المحمودة . لستُ غافلة - بالطبع - عن حقيقة أنّ بعض العراقيين يتمزقون وهم يرون العراق الجميل يتراجع متخلفاً ؛ لكنّ هؤلاء ليسوا سوى قلّة قليلة مغلوبة حائرة تختزن الجرح في القلب حتى ليكاد الجرح يتعفّن حدّ الموت ، ولأجل هؤلاء ، وإكراماً لهم ولجرحهم الدفين جعلتُ عنوان المقالة من غير ألف ولام التعريف لكي لايتعمّم الوصف على كلِ العراقيين ظلماً وعسفاً . 

لماذا لايحبّ معظم العراقيين العراق ؟ أرى أنّ هذا السؤال الإشكالي هو واحدٌ من الأسئلة الثقافية المفصلية التي لابدّ أن ننشغل بها على مستوى الأفراد فضلاً عن الأقسام الجامعية المعنية بهذا النوع من التساؤلات واسعة النطاق ( سوسيولوجيا ، أنثروبولوجيا ، علم نفس ، قانون ، سياسة ، إعلام ،،،، ) ، ودعونا من مظاهر الحبّ اللحظوية ذات الطابع الفلكلوري البائس : يحرز منتخب العراق هدفاً فيتنادى الجميع صراخاً يلهج باسم العراق والعراقيين . هذا حبّ ليس أكثر من ( شقشقة لسان ) بحسب التوصيف الفقهي ؛ إذ قد ترى هذا الذي تكاد حنجرته تلتهب وهي تصدح باسم العراق لايرتجف قلبه بقدر شعرة وهو يتعدّى على أرصفة الطرق ويضمّها قسراً إلى بيته الجديد وبما يؤكّد واقع حال لايمكن مناقشته ! أي حبّ هذا الذي يحبّ فيه ( فلان ) العراق ثمّ يعتدي على العراقيين ولايتورّع عن سلب حقوقهم المكفولة بالقانون الذي غاب هو الآخر وصار نسياً منسياً ؛ بل قبل هذا كيف يمكن التبجّح بحبّ العراق والناس لايرفّ لها جفن وهي تملأ الشوارع والجزرات الوسطية بالقمامة وتتقاعس عن وضعها في أماكنها . إذا كان هذا حباً ؛ فكيف تكون الكراهية إذن ؟ 

لماذا لانحبّ العراق كما ينبغي أن يكون الحبّ ؟ العراق بلد ثري مفضال علينا جميعاً ، ولسنا في نهاية المطاف سوى كائنات طفيلية تعتاش على ماتجود به أرض العراق من ثروات طبيعية لايد لنا في خلقها . هذه حقيقة صارخة؛ فلماذا لانحبّ العراق ولو على سبيل ردّ بعض الجميل إليه؟.

كلّنا نعتاش على خيرات العراق ، وموهومٌ من العراقيين من يرى أنّه ليس بأكثر من طفيلي يمتصّ رحيق الحياة من ضرع العراق ؛ وعليه إذا أحبّ الألماني أو السويدي أو السويسري أو غيرهم بلده بمقدارٍ ما فإنّ الواجب والمروءة يقتضيان أن يحب العراقي العراق بمقادير مضاعفة . لستُ هنا واهمة وأتغافل عن الحقائق : نعم ، توفّر هذه البلدان لمواطنيها حزمةً من الحقوق تطبيباً ورعاية إجتماعية وتعليماً توجب الحبّ ؛ لكن هل يعمل العراقي بمثل مايعمل هؤلاء من حيث الجهد وعدد ساعات العمل ؟ العراق بالنسبة للعراقيين هو بمثابة الأب والأم للطفل الرضيع ، وإذا ماذهب العراق فسيذهب العراقيون معه إلى حيث يعرفون ، وماأقسى ذلك المآل ! 

ماأغدر العراقيين الذين يرون في العراق محض حافظة نقود يحلبونها ويلعقون عسلها ولايرفّ لهم جفن لكلّ مظاهر الرثاثة التي أغرقت العراق في مستنقع نتن . 

لم يعرف العراقيون قدر العراق ؛ فأضاعوه وأضاعوا أنفسهم معه ، وأغلبهم في غيّهم سادرون . 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عبداللطيف الدوري

    كانك في قلبي ، واننا والله نبكي العراق والعراقيين لاننا نصرخ ولا من مجيب غير الصدى

  2. مقيم عراقي في الاردن

    سؤال معقول و تحليل منطقي بحاجة الى اسهاب اكبر في سبب هذا ( اللاحب). لا لكي نتفلسف و لكن لكي نوقف محرك اللاحب عند حده... كفى

  3. د. ليالي الخطاوي

    سؤال يلح علي كنت اتمنى ان اجد اجابه عليه في هذا المقال.....؟ مع التقدير

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram