TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > كلمة السيستاني

كلمة السيستاني

نشر في: 13 يناير, 2005: 07:52 م

 فخري كريم

بين ما تتناقله اجهزة الاعلام والمتحدثون المختلفون، اختلفت الروايات (والعهدة على الرواة) حول التأييد السياسي للمرجع الديني الاعلى سماحة السيد علي السيستاني

لإحدى القوائم الانتخابية المنافسة في انتخابات المجلس الوطني المقبلة ودعمه لها.. أو الاعلان عن عدم وقوفه وراء اية قائمة ، وانما مباركته الجميع ولأي خيار يختاره الناخبون بحرية.في كل الروايات، تستند الاخبار الى (مصادر مقربة) من المرجع، وليس ثمة من مصدر معين ومعّرف، حتى يمكن الوثوق به والرجوع اليه، وهذا ما يجعل الخبر ونقيضه عرضة للتشكيك من قبل الاعلام الامين على دقة معلوماته وما يسمح بنشره للجمهور، ولكن ليس كل الاعلام هكذا فقد نصادف مرة في وسط اعلامي واحد خبراً يتحدث عن تأييد محدد للمرجعية لقائمة معينة، ونصادف في مناسبة اخرى وفي الوسط الاعلامي نفسه ما يخالف مثل ذلك الخبر. وهو ما يترك جمهوراً عريضاً من المتلقين رهناً بتلاعبات واهواء الاعلام ومروجي الاخبار ونقائضها.

ان سعي قائمة معينة الى تأكيد نيلها ثقة السيد السيستاني واسناده لها هو امر له ما يبرره، وهو نفسه ما يبرر سعي مرشحين آخرين الى تأكيد حياد المرجع ومباركته لحرية الاختيار، ولكن بين تضارب تصريحات المتنافسين وبين غياب الاعلان الصريح والمباشر من المرجعية الدينية، يظل باب التوقع والاحتمال رهناً بتأثير قوة الدعاية الانتخابية والاجتهادات والتفسيرات المتضاربة.

ان ما يبرر الموقفين طبعاً هو قوة مبدأ التقليد الديني لدى جمهور واسع من الناخبين العراقيين، والتبرير مستمد ايضاً في جانب آخر مهم، من الثقة بالحكمة التي تصرف بها سماحة المرجع الأعلى في بعض مراحل الازمة العراقية.

واذا كان مبدأ التقليد يستند الى التراث الفقهي الشيعي المعروف، فإن الموقف الذي ظهرت به المرجعية في هذه الازمة تجاوزحدود الطائفة الضيقة ومصالحها الى اطار اشمل تكامل فيه الالتزام الديني بمبادئ المواطنة والشعور العالي بالمسؤولية ازاء الجميع، من طوائف واديان واثنيات عراقية مختلفة.

لم يخسر الشيعة في هذا التكامل.. لقد ربح الجميع، ومعهم ربح الشيعة.

ولم يكن هذا الاطار الاشمل ليتعارض في كل الاحوال، مع (حدود الطائفة الضيقة ومصالحها)، ما دامت المصالح انسانية ووطنية وتجد قيمتها في نسيج وطني وشعبي شامل وقائم على التسامح والتعدد واحترام الاختلاف. ان التراث الشيعي والحوزة العلمية وضعاً على محك اول واخطر اختبار. وكانت المشكلة تكمن في ان هذا الاختبار يجري في ظروف معقدة، ينبغي فيها التوازن الصعب.

ما الذي يحدث، لو ان المرجعية تتصرف في هذه أو تلك من القضايا بحدود وصفها الشيعي،  وفي ضوء ما يفرضه هذا الالتزام بالحدود الضيقة من تصلب وعنت وتشدد هو قرين التشبث بالهويات الصغيرة المحاصرة حين تنطلق من اسرها؟

في أي وضع آخر، سوى الوضع العراقي، لا يمكن توقع غير الالتزام بالصفة المذهبية. ولكن تجربة العراق، بتنوعه واختلافاته وتاريخه المعقد وراهنه الاكثر تعقيداً ، تستطيع المرجعية ان تكون في الموضع الذي ينبغي ان تكون فيه. فحصل ان الناس، باختلاف مللهم وطوائفهم، ظلوا يتطلعون الى المرجع الديني كاحدى صمامات الأمان وكحالة يتوقع منها الترفع على السياسي العارض، تاركاً لخيارات الامة ولما يجمعها على الخير والحرية والسلام ان يصرف شؤونها في السياسة والحياة.

ان تراثاً بقي ضحية وموضوعاً للاستبداد لقرون، مثل التراث الشيعي، لا يمكن ان ينتصر لقيمه من دون ان ينتصر للآخرين ايضاً، حيثما التقت مصالح البشر وقيمهم على المثل الانسانية الرفيعة، مثل الحرية والكرامة والعدل. ولن تتأتى لحظة اللقاء هذه من دون روح انساني يسمو على الاختلافات ولا يتبرم منها ويسمح بمرورها تحت سماء التسامح والعقل، تحت سماء الله العالية.

الان، يتوقع جميع العراقيون، بكل اختلافاتهم ويراهنون على التصرف اللاطائفي للمرجعية العليا، في كل تداخلاتها مع شؤون الحياة الجديدة للعراقيين. ولعل مثل هذا التصرف هو ما يجعل من سماحة اية الله العظمى السيد على السيستاني رمزاً روحياً، يطمح كثير من المتنافسين انتخابياً الى ان يتقدم الى جمهور عريض من الناخبين خلف هويته، فيما يطمح كثيرون آخرون الى ان يظل الرمز الروحي رمزاً للجميع يترفع على اختلافات المختلفين ما داموا ملتزمين بالقانون وبقيم الحرية.

وبين طموح هؤلاء وطموح اولئك، تريد الناس ان تقف على الموقف الواضح والمباشر للمرجعية في هذا الشأن الذي كثرت فيه الروايات، ولكن من دون اسناد موثوق.

ان من حق الجميع ان يتعرفوا على خياراتهم بحرية عبر صناديق الاقتراع، وان يفهم المتخالفون بكل ألوانهم ومشاربهم بأن أي تأثير خارج سياق صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين لا علاقة لها بالديمقراطية بأي وجه من الوجوه وان إدخال المقدسات الدينية في العمل السياسي كأداة للترهيب والترغيب والغرض يثير علامات استفهام على العمل السياسي ونتائجه، وهو ما نحرص  على ان يظل المرجع الديني الشيعي بمنأى عنه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram