فخري كريم
لكل مدينة طقوسها وسجاياها، مثلما الكائن الحي، تستمدها من روحها، ولها قلب ينبض بالحياة، ويتدفق بالفرح والمسرات، وتزدان بحلل اعراس ساكنيها،
وتحنو عليهم مثل ام رؤوم، وتمنحهم بركاتها في لحظات اللهفة والقلق والتمنيات المستحيلة!
ولبغداد روح كلكامش، ولهفة الجواهري، وجسارة بناة سدود فيضانات دجلة والفرات، وتضحيات اهلها الذين استعصوا على هولاكو والحجاج وكل الطغاة واشباه الرجال.لقد حاولوا عبر التاريخ ان يطفئوا نورها ويستبيحوا روحها، ويشعلوا فيها نيران الفتنة وينثروا في سمائها نعيق الغربان.
في كل مرة، كانت بغداد تغفو على آلامها ومحنها، كأن غفوتها شبه موت، أو سبات اهل الكهف، لكنها لم تكن سوى اغفاءة الأم الحانية التي ترقد الى جانب وليدها، والمحارب المجرب، الذي يستعيد نضارة روحه.
اغفاءة بغداد اليوم مجرد ارق .. تكدرت بعد ان أدميت بفعل عهود الاستبداد وقطعت اوصالها الغربان المنفلتة بعد ان فككها المحتل بغباء وسوء دراية، وادعاء وتواطؤ صامت مع القتلة والاوباش وقطاع الطرق، ولصوص المقابر.
انهم يزحفون على مرافئها، ويسعون لكي يطبق عليها ليل دامس مهموم بكل مراتب الهواجس والمعاناة...
وهي اذ تداري ارقها، تومئ لنا جميعاً لكي تنهض وتغتسل، وتستعيد العافية.
وعلينا ان ننهض قبلها، فكل القطعان تتربص بنا، وقبل كل شيء علينا ان نبقي البراءة ونحول جحيمهم الى نهارات دائمة وبذلك ندفن جيفهم.
فليوقد كل منا شمعة في زاوية يحاول القتلة ان يحاصروها بظلامهم .
ولنجعل من مدينة بغداد عنفوان كل عراقي يرنو نحو افق مضيء مشرق بالامنيات التي يحاولون اطفاء جدوتها في روحهم .
وللمدى نهاراتها التي تحمل مع العراقيين شمعتها كل نهار لكي يمتد ويزحف على ظلام الليالي التي يريدونها ان تطبق على روح العراق .
نهارات المدى اذ توقد شمعتها الاولى هذا اليوم، تستشرف بكل ثقة افق العراق الديمقراطي وهو يستعيد عافيته لكي يظل على امتداده مساحة مضيئة مفعمة بالامن والاخاء والسلم وروح العراق عبر التاريخ.