فخري كريم
من حق اياد علاوي، ان يسعى ليحل مكان نوري المالكي، كما ان من حق ابراهيم الجعفري ان يحذو حذو علاوي وربما يحق لآخرين لم يحالفهم الحظ حتى الآن بالظهور امام شاشات الفضائيات
ليلمعوا صورهم، وليقدموا انفسهم كبدائل، بحكم انتمائهم الطائفي، أو "بتكليف شرعي" أو لأمر لا دراية "لمن لا يُطاع" به، والاغلبية المطلقة من ابناء "شعبهم"، كما يحلو لبعضهم ان يخاطب الناس به، لم يعد في موقع "من يُطاع".
ان من حق الجميع السعي لاحتلال موقع رئيس الوزراء، بعد ان فقد هذا الموقع بريقه وهيبته، وبعد ان اصبح المالكي نفسه للاسف يشكك ببقائه، عبر ادارته المحبطة للحكومة والدولة.
والملفت ان السيدين علاوي والجعفري، وقد دشنا نادي"رؤساء الحكومات السابقين"، وذاقا طعم السلطة، ولم يتذوقا بعد لعنتها، ان يؤكدا بشكل قاطع، انهما يؤمنان بالديمقراطية وآلياتها، وبالعراق الجديد وتوجهاته، وبالعملية السياسية الديمقراطية ومتطلباتها، لكن الأول، ما ان علم بان حظه بعد الانتخابات الاولى حرمه من تشكيل الوزارة، حتى اعلن على عجل ان حياته مهددة اذا لم يصبح رئيساً للوزارة، وهو مضطر لهذا السبب الى مغادرة البلاد.!
اما الثاني، فقد تشبث بكل الوسائل، للبقاء في موقعه، حتى "النقطة الاخيرة"، دون ان يأخذ بالاعتبار وهو يقاوم، قواعد اللعبة الديمقراطية، وما ان غادر مجبراً، حتى طلع علينا، بخطاب جديد، متخلياً عن لكنته السياسية السابقة، بما في ذلك، انتماؤه الحزبي الذي كان في اساس اختياره للموقع الذي يريد ان يبقى فيه ما شاء الله، لا ما تشاء الرعية، بل واوحى بتخليه حتى عن الطابع الديني الطائفي للتيار الذي يبشر بقرب مولده!
حتى الآن، لا اعتراض، فاللعبة الديمقراطية في بلد لا يعرف ابناؤه بعد قواعد اللعبة، تسمح بكل ذلك، وربما اكثر من ذلك، من قبيل نهب الثروات، واشاعة الفساد، وتعميم الرشوة بوصفها شكلاً من اشكال "اعادة توزيع الثروة"!، بل وحتى نحر رقاب الناس على الهوية، وتقطيع اوصالهم بعد الحصول على الفدية من ذويهم.
ولا بأس ايضاً في انتقال الاغلبية المطلقة من قادة البلاد السابقين، ومن يرون ان مصيرهم الانضمام عاجلاً ام آجلاً الى "نادي الرؤساء والقادة السابقين" الى الاردن وسورية والامارات ولبنان والقاهرة، والاقامة في شقق وفلل فاخرة، يقوم السماسرة والوسطاء والوكلاء بشرائها لهم مسبقاً...، فهذا ايضاً من حقهم، اوليسوا هم من "حرر العراق"، واعاد الثروة المنهوبة الى العراقيين ولو من خلال الملايين المحولة الى حساباتهم!
وليس مهماً ايضاً ان يكونوا بذلك قد نقلوا مقر القيادة السياسية للبلاد الى خارج حدود العراق، وان يديروا اللعبة الديمقراطية بواسطة الهاتف الجوال والبريد الالكتروني، وان يتنقلوا من بلد عربي واقليمي الى آخر، بدلاً من التنقل في الاحياء والمحافظات العراقية، ليترافعوا عن شعبهم المظلوم، المستلب الارادة، المهجر والمشرد والملاحق بالسيوف والخناجر والمفخخات والانتحاريين، والمحروم من الكهرباء وماء الشرب.
وفي انتقالاتهم المكوكية هذه بين الملوك والرؤساء والامراء، يقدمون "هوياتهم"، حسب البلد والحاكم، وهي في كل الاحوال ليست هوية سياسية، بل الهوية "الطائفية" التي يتمشدقون انها سبب البلاء كله، وانهم يسعون لازالتها من الحياة السياسية، وبهذه الهوية يصبح لكل منهم ثمن، لا فرق سواء كان "سنياً" ام "شيعيا”ً، بل ويا للسخرية، فان الهويتين معاً تنفعان احياناً في نفس البلد ولدى نفس الحاكم!.
حتى الآن، لا بأس في كل هذا....
لكن ما تجاوز كل حد، وتجرد من كل قيمة وطنية، هذا الذي طلع به علينا الدكتور اياد علاوي، وهو يعلن استعانته بشركة علاقات امريكية، لتمكّنه من ازاحة المالكي، وانتزاع موقعه، ولترسم له خارطة سياسية للتحرك، وترفع من شأنه بين جمهورييه ومحازبيهم في الولايات المتحدة، وان يوفق في تحريضهم على تسعير الخلافات بين الفرقاء السياسيين المتخاصمين، وتشديد الازمة المستفحلة اصلاً، وخلط الاوراق، تمهيداً لعودته الميمونة الى العراق، ومواصلة السعي للاطاحة بغريمه!
والمثير للسخرية، ان الاستاذ علاوي لم يفاجأ او يستغرب من "كشف المستور"عن خطته الجديدة. بقدر ما استثير عندما فوجيء من محاوره في قناة CNN برسالة الشركة اليه، وهي تبين له التزاماته المالية "الثابتة" ونفقات حملته الترويجية مثل اي بضاعة امريكية "بين مناصريه الجمهوريين في الولايات المتحدة" وليس في العراق المبتلى، التي تتجاوز مئات الاف الدولارات!
بقي ان يتوقف السادة اعضاء التوافق والقائمة العراقية، "وليعذرني بعضهم" بالخروج علينا كل يوم وهم يلوحون في وجوهنا بالشعارات والبرامج الوطنية والديمقراطية وهم يبدون حزنهم على محنة العراقيين والحرص على انتشالهم من كربتهم وما المّ بهم من بلاء..
عيب ايها السادة!